يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى الشَّاهِدَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ عَنْ كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تَرَكَهَا يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الحقوق وهو على ما بيننا مِنْ إثْبَاتِ الشَّهَادَةِ فِي كُتُبِ الْوَثَائِقِ وَأَدَائِهَا بَعْدَ إثْبَاتِهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى الْحَقِّ غَيْرَ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمَا فَرْضُ أَدَائِهَا وَيَلْحَقُهُمَا إنْ تَخَلَّفَا عَنْهَا الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ وَقَدْ كَانَ نَهْيُهُ عَنْ الْكِتْمَانِ مُفِيدًا لِوُجُوبِ أَدَائِهَا وَلَكِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ الْفَرْضَ فِيهَا بِقَوْلِهِ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَإِنَّمَا أَضَافَ الْإِثْمَ إلَى الْقَلْبِ وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ الْكَاتِمُ هُوَ الْآثِمُ لِأَنَّ الْمَأْثَمَ فِيهِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِعَقْدِ الْقَلْبِ وَلِأَنَّ كِتْمَانَ الشَّهَادَةِ إنَّمَا هُوَ عَقْدُ النِّيَّةِ لِتَرْكِ أَدَائِهَا بِاللِّسَانِ فَعَقْدُ النِّيَّةِ مِنْ أَفْعَالِ الْقَلْبِ لَا نَصِيبَ لِلْجَوَارِحِ فِيهِ وَقَدْ انْتَظَمَ الْكَاتِمُ لِلشَّهَادَةِ الْمَأْثَمَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا عَزْمِهِ عَلَى أَنْ لَا يُؤَدِّيَهَا وَالثَّانِي تَرْكِ أَدَائِهَا بِاللِّسَانِ وَقَوْلُهُ آثِمٌ قَلْبُهُ مَجَازٌ لَا حَقِيقَةٌ وَهُوَ آكَدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ الْحَقِيقَةِ لَوْ قَالَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ وَأَبْلَغُ مِنْهُ وَأَدَلُّ عَلَى الْوَعِيدِ مِنْ بَدِيعِ الْبَيَانِ وَلَطِيفِ الْإِعْرَابِ عَنْ الْمَعَانِي تَعَالَى اللَّهُ الْحَكِيمُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَآيَةُ الدين بما فيه مِنْ ذِكْرِ الِاحْتِيَاطِ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ الْمَرْضِيِّينَ وَالرَّهْنُ تَنْبِيهٌ عَلَى مَوْضِعِ صَلَاحِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَعَهُ فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَنَفْيُ التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ وَفِي التَّنَازُعِ وَالِاخْتِلَافِ فَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَذَهَابُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ إذَا عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ دينا وشهودا وكتابا ورهنا بِمَا عَلَيْهِ وَثِيقَةٌ فِي يَدِ الطَّالِبِ قَلَّ الخلاف علمنا مِنْهُ أَنَّ خِلَافَهُ وَبَخْسَهُ لِحَقِّ الْمَطْلُوبِ لَا يَنْفَعُهُ بَلْ يَظْهَرُ كَذِبُهُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَثِيقَةٌ وَاحْتِيَاطٌ لِلطَّالِبِ وَفِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لَهُمَا جَمِيعًا فِي دِينِهِمَا وَدُنْيَاهُمَا لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ بَخْسَ حَقِّ الطَّالِبِ صَلَاحَ دِينِهِ وَفِي جُحُودِهِ وَبَخْسِهِ ذَهَابَ دِينِهِ إذَا عَلِمَ وُجُوبَهُ وَكَذَلِكَ الطَّالِبُ إذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَشُهُودٌ أثبتوا ماله وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَجَحَدَ الطَّالِبُ حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى مُقَابَلَتِهِ بِمِثْلِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي كَيْدِهِ حَتَّى رُبَّمَا لَمْ يَرْضَ بِمِقْدَارِ حَقِّهِ دُونَ الْإِضْرَارِ بِهِ فِي أَضْعَافِهِ مَتَى أَمْكَنَهُ وَذَلِكَ مُتَعَالَمٌ مِنْ أَحْوَالِ عَامَّةِ النَّاسِ وَهَذَا نَظِيرُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْبِيَاعَاتِ المجهولة القدر والآجال المجهولة والأمور التي كانت عَلَيْهَا النَّاسُ قَبْلَ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم مما كان يؤدى إلى الإختلاف وَفَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَيْسِرِ وَالْقِمَارِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا يُسْكِرُ فَيُؤَدِّي إلَى