هَجَرَ عَلَى مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ فِي خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا لَمْ يَفْتَرِقَا أَنَّهُ عَلَى التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ قَاضِيًا عَلَى مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَلَزِمَهُ عَلَى هَذَا أَنْ يَجْعَلَ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَاضِيًا عَلَى مُرَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ ثَابِتًا عَنْهُ وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَهُ غُنْمُهُ أَنَّ لِلرَّاهِنِ زِيَادَتَهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ يَعْنِي دَيْنَهُ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ وَهُوَ تَفْسِيرُ
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ
لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُوجِبُونَ اسْتِحْقَاقَ مِلْكِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الدَّيْنِ
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ
أَيْ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ ثُمَّ فَسَّرَهُ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ يَعْنِي لِلرَّاهِنِ غُنْمُهُ يَعْنِي زِيَادَتَهُ فَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لا يستحق غير عين الرهن لا نماءه وَزِيَادَتِهِ وَأَنَّ دَيْنَهُ بَاقٍ عَلَيْهِ كَمَا كَانَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ كَقَوْلِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنُهُ فَإِذًا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِ الرَّهْنِ غَيْرَ مَضْمُونٍ بَلْ هُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ
إذَا أَرَادَ بِهِ حَالَ بَقَائِهِ عِنْدَ الْفِكَاكِ وَإِبْطَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَ اسْتِحْقَاقِ مِلْكِهِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ قَدْ حَوَى مَعَانِيَ مِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ لَا تُفْسِدُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيَجُوزُ هُوَ لِإِبْطَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَهُمْ وَإِجَازَتِهِ الرَّهْنَ وَمِنْهَا أَنَّ الرَّهْنَ لَمَّا كَانَ شَرْطُ صِحَّتِهِ الْقَبْضَ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ثُمَّ لَمْ تُفْسِدْهُ الشُّرُوطُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ مَا لَا يَصِحُّ إلَّا بِالْقَبْضِ مِنْ الْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ فِي أَنَّ الشُّرُوطَ لَا تُفْسِدُهَا لِاجْتِمَاعِهَا فِي كَوْنِ الْقَبْضِ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا وَقَدْ دَلَّ هَذَا الْخَبَرُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ عُقُودَ التَّمْلِيكَاتِ لَا تُعَلَّقُ عَلَى الْأَخْطَارِ لِأَنَّ شَرْطَهُمْ لِمِلْكِ الرَّهْنِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ كَانَ تَمْلِيكًا مُعَلَّقًا عَلَى خَطَرٍ وَعَلَى مَجِيءِ وَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَ التَّمْلِيكِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي سَائِرِ عُقُودِ التَّمْلِيكَاتِ وَالْبَرَاءَةِ فِي امْتِنَاعِ تَعَلُّقِهَا عَلَى الْأَخْطَارِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ وَهَبْت لَك الْعَبْدَ أَوْ قَالَ قَدْ بِعْتُكَهُ إنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَقَعُ بِهِ الْمِلْكُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَقَدْ أَبْرَأْتُك مِمَّا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا وَفَارَقَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ الْعَتَاقَ وَالطَّلَاقَ فِي جَوَازِ تَعَلُّقِهِمَا عَلَى الْأَخْطَارِ لِأَنَّ لَهُمَا أَصْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الله تعالى قد أجاز الكتابة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَهُوَ أَنْ يَقُولَ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ وَذَلِكَ عِتْقٌ مُعَلَّقٌ عَلَى خَطَرٍ وَعَلَى مَجِيء حَالٍ مُسْتَقْبَلَةٍ وَقَالَ فِي شَأْنِ الطَّلَاقِ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ إيقَاعِهِ فِي الْحَالِ وَبَيْنَ إضَافَتِهِ إلَى وَقْتِ السُّنَّةِ وَلَمَّا كَانَ إيجَابُ هَذَا الْعَقْدِ أَعْنِي الْعِتْقَ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعُ بمال