أَنَّهُ كَانَ مَلَّكَهُمْ رِقَابَ الْأَرْضِينَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَعْطَاهُمْ رُبُعَ الْخَرَاجِ ثُمَّ رَأَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِهِمْ عَلَى أُعْطِيَّاتِهِمْ دُونَ الْخَرَاجِ لِيَكُونُوا أُسْوَةً لِسَائِرِ النَّاسِ وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ بِاسْتِطَابَةٍ مِنْهُ لِنُفُوسِهِمْ وَقَدْ أَخْبَرَ عُمَرُ أَنَّهُ رَأَى رَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ لَا يَسَعُهُ غَيْرُهُ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ صلح لِلْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا أَمْرُ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُ أَعْطَاهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ جَائِزًا لَهُ أن يفعله من أَخْذِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ السَّوَادِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْخَرَاجَ أُجْرَةٌ فَفَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْإِجَارَاتِ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ إذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمُدَّةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ أَهْلَهَا لَمْ يَخْلُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا أَوْ أَحْرَارًا فَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا فَإِنَّ إجَارَةَ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُتْرَكَ رِقَابُهُمْ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ ولا نترك أَرَاضِيهِمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ وَأَيْضًا لَوْ كَانُوا عَبِيدًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ رِقَابِهِمْ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْعَبِيدَ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِمْ وَأَيْضًا لَا خِلَافَ أَنَّ إجَارَةَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَقَدْ أَخَذَ عُمَرُ الْخَرَاجَ مِنْ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِأُجْرَةٍ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي شِرَى أَرْضِ الْخَرَاجِ وَاسْتِئْجَارِهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ اسْتِئْجَارَ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَكَرِهَ شَرِيكٌ شِرَى أَرْضِ الْخَرَاجِ وَقَالَ لَا تَجْعَلْ فِي عُنُقِك صَغَارًا وَذَكَرَ الطحاوي عن بن أَبِي عِمْرَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِكَارٍ قَالَ سَأَلَ رِجْلٌ الْمُعَافَى بْنَ عِمْرَانَ عَنْ الزَّرْعِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ فَإِنَّك تَزْرَعُ أَنْتَ فِيهَا فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي لَيْسَ فِي الشَّرِّ قُدْوَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَكْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ خَرَاجٍ كَمَا يَكْتَرِيَ دَوَابَّهُمْ قَالَ
وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يُؤَدِّيَ الْخَرَاجَ وَلَا لِمُشْرِكٍ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ
إنَّمَا هُوَ خَرَاجُ الْجِزْيَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ اشْتَرَى أَرْضَ خَرَاجٍ
وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وبراذان مَا براذان وَبِالْمَدِينَةِ مَا بِالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ ضَيْعَةُ براذان وَرَاذَانُ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَرُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ابْنَيْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اشْتَرَوْا مِنْ أَرْضِ السَّوَادِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أنهما أملاك لأهلها والثاني أنه غير مكره للمسلم شراها
وروى عن على وعمر رضى الله عنهما فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أَنَّهُ إنْ أَقَامَ عَلَى أَرْضِهِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ شِرَى أَرْضِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَقَالَ لَا تَجْعَلْ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِي عُنُقِ هَذَا الْكَافِرِ فِي عُنُقِك وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ