فقال لا أرى هذا يعرف ما هاهنا لا يدخل عليكم
فأباح النبي صلّى الله عليه وسلّم دُخُولَ الْمُخَنَّثِ عَلَيْهِنَّ حِينَ ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْرِفُ أَحْوَالَ النِّسَاءِ وَأَوْصَافَهُنَّ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أُولِي الْإِرْبَةِ فَحَجَبَهُ وقَوْله تَعَالَى أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ قال مجاهدهم الَّذِينَ لَا يَدْرُونَ مَا هُنَّ مِنْ الصِّغَرِ وَقَالَ قَتَادَةَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَوْلُ مُجَاهِدٍ أَظْهَرُ لِأَنَّ مَعْنَى أَنَّهُمْ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ أَنَّهُمْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ لِصِغَرِهِمْ وَقِلَّةِ مَعْرِفَتِهِمْ بِذَلِكَ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الطِّفْلَ الَّذِي قَدْ عَرَفَ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ بِقَوْلِهِ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ وَأَرَادَ بِهِ الَّذِي عَرَفَ ذَلِكَ وَاطَّلَعَ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَاَلَّذِي لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِئْذَانِ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ
فَلَمْ يَأْمُرْ بِالتَّفْرِقَةِ قَبْلَ الْعَشْرِ وَأَمَرَ بِهَا فِي الْعَشْرِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ ذَلِكَ فِي الْأَكْثَرِ الْأَعَمِّ وَلَا يَعْرِفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ وقَوْله تَعَالَى وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ رَوَى أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ هُوَ الْخَلْخَالُ وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ إنَّمَا نُهِيت أن تضرب برجلها لِيُسْمَعَ صَوْتُ الْخَلْخَالِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ عُقِلَ مِنْ مَعْنَى اللَّفْظِ النَّهْيُ عَنْ إبْدَاءِ الزِّينَةِ وَإِظْهَارِهَا لِوُرُودِ النص في النهى عن سماع صَوْتِهَا إذْ كَانَ إظْهَارُ الزِّينَةِ أَوْلَى بِالنَّهْيِ مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ الزِّينَةُ فَإِذَا لَمْ يَجُزْ بأخفى الوجهين لم يجز بأظهر هما وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي قَدْ عَلَّقَ الْأَحْكَامَ بِهَا وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمَعَانِي تَارَةً جَلِيَّةً بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ عَلَيْهَا وَتَارَةً خَفِيَّةً يُحْتَاجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهَا بِأُصُولٍ أُخَرَ سِوَاهَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مَنْهِيَّةٌ عَنْ رَفْعِ صَوْتِهَا بِالْكَلَامِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ ذَلِكَ الْأَجَانِبُ إذْ كَانَ صَوْتُهَا أَقْرَبَ إلَى الْفِتْنَةِ مِنْ صَوْتِ خَلْخَالِهَا وَلِذَلِكَ كَرِهَ أَصْحَابُنَا أَذَانَ النِّسَاءِ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى رَفْعِ الصَّوْتِ وَالْمَرْأَةُ مَنْهِيَّةٌ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى حَظْرِ النَّظَرِ إلَى وَجْهِهَا لِلشَّهْوَةِ إذْ كَانَ ذَلِكَ أَقْرَبَ إلَى الرِّيبَةِ وَأَوْلَى بِالْفِتْنَةِ.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ الآية قال «12- أحكام مس»