يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ وَأَنْ يسئلن عَنْهُ لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النُّورِ عَمَدْنَ إلَى حجوز مَنَاطِقِهِنَّ فَشَقَقْنَهُ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ قِيلَ إنَّهُ أَرَادَ جَيْبَ الدُّرُوعِ لِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَلْبَسْنَ الدُّرُوعَ وَلَهَا جَيْبٌ مِثْلُ جَيْبِ الدُّرَّاعَةِ فَتَكُونُ الْمَرْأَةُ مَكْشُوفَةَ الصَّدْرِ وَالنَّحْرِ إذَا لَبِسَتْهَا فَأَمَرَهُنَّ اللَّهُ بِسَتْرِ ذَلِكَ الموضع بقوله وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَدْرَ الْمَرْأَةِ ونحرها عورة لا يجوز للأجنبى النظر إليهما مِنْهَا قَوْله تَعَالَى وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي إبَاحَةَ إبْدَاءِ الزِّينَةِ لِلزَّوْجِ وَلِمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مِنْ الْآبَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ مَوْضِعُ الزِّينَةِ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْيَدُ وَالذِّرَاعُ لِأَنَّ فِيهَا السِّوَارَ وَالْقُلْبَ وَالْعَضُدُ وَهُوَ مَوْضِعُ الدُّمْلُجِ وَالنَّحْرُ وَالصَّدْرُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ إبَاحَةَ النَّظَرِ لِلْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَهِيَ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ لِأَنَّهُ خَصَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ إبَاحَةَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ لِلْأَجْنَبِيَّيْنِ وَأَبَاحَ لِلزَّوْجِ وَذَوِي الْمَحَارِمِ النَّظَرَ إلَى الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالزُّبَيْرِ الْقُرْطُ وَالْقِلَادَةُ وَالسِّوَارُ وَالْخَلْخَالُ وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عن إبراهيم أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ قَالَ يَنْظُرُ إلَى مَا فَوْقِ الذِّرَاعِ مِنْ الأذن والرأس قل أَبُو بَكْرٍ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِ الْأُذُنِ وَالرَّأْسِ بِذَلِكَ إذْ لَمْ يُخَصِّصْ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ دُونَ شَيْءٍ وَقَدْ سَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوْجِ وَبَيْنَ مَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فَاقْتَضَى عُمُومُهُ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ كَمَا اقْتَضَى إبَاحَتَهَا لِلزَّوْجِ وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْآبَاءِ ذَوِي الْمَحَارِمِ الَّذِينَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُهُنَّ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ فِي التَّحْرِيمِ بمثابتهم فحكمه حكمهم مثل زواج الِابْنَةِ وَأُمِّ الْمَرْأَةِ وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ الرَّضَاعِ وَنَحْوِهِنَّ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إلَى شَعْرِ أَجْنَبِيَّةٍ فَكَرِهَهُ وَقَالَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ فَهُوَ فِي مَعْنَى مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ تَحْرِيمِ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا مَا خُصَّ مِنْهُ إنَّمَا هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْحَرَائِرِ دُونَ الْإِمَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَاءَ لِسَائِرِ الْأَجْنَبِيِّينَ بِمَنْزِلَةِ الْحَرَائِرِ لِذَوِي مَحَارِمِهِنَّ فِيمَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إلَى شَعْرِ الْأَمَةِ وَذِرَاعِهَا وَسَاقِهَا وَصَدْرِهَا وَثَدْيِهَا كَمَا يَجُوزُ لِذَوِي الْمَحْرَمِ النَّظَرُ إلَى ذَاتِ مَحْرَمِهِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرَ إلَى شَعْرِ الْأَمَةِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَضْرِبُ الْإِمَاءَ وَيَقُولُ اكْشِفْنَ رؤسكن وَلَا تَتَشَبَّهْنَ بِالْحَرَائِرِ