مِنْ ذَلِكَ هُوَ السَّبِيلُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةُ حُكْمٍ آخَرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ السَّبِيلُ الْمَجْعُولُ لَهُنَّ مُتَقَدِّمًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبِيلِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ دُونَ غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ الْأَذَى وَالْحَبْسُ مَنْسُوخَيْنِ عَنْ غَيْرِ الْمُحْصَنِ بِالْآيَةِ وَعَنْ الْمُحْصَنِ بِالسُّنَّةِ وَهُوَ الرَّجْمُ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِ الْمُحْصَنِ فِي الزِّنَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدٌ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَلَا يُجْلَدُ وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ وَلَيْسَ نَفْيُهُ بِحَدٍّ وَإِنَّمَا هُوَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ إنْ رَأَى نَفْيَهُ لِلدَّعَارَةِ فَعَلَ كَمَا يَجُوزُ حَبْسُهُ حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لَا يَجْتَمِعُ الْجَلْدُ وَالرَّجْمُ مِثْلُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَلَفُوا فِي النَّفْيِ بَعْدَ الْجَلْدِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُنْفَى الْبِكْرُ بَعْدَ الْجَلْدِ وَقَالَ مَالِكٌ يُنْفَى الرَّجُلُ وَلَا تُنْفَى الْمَرْأَةُ وَلَا الْعَبْدُ وَمَنْ نُفِيَ حُبِسَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُنْفَى إلَيْهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيُّ يُنْفَى الزَّانِي وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَلَا تُنْفَى الْمَرْأَةُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُنْفَى الْعَبْدُ نِصْفَ سَنَةٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ نفى البكر الزاني ليس بحدان قَوْله تَعَالَى الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْحَدُّ الْمُسْتَحَقُّ بِالزِّنَا وَأَنَّهُ كَمَالُ الْحَدِّ فَلَوْ جَعَلْنَا النَّفْيَ حَدًّا مَعَهُ لَكَانَ الْجَلْدُ بَعْضَ الْحَدِّ وَفِي ذَلِكَ إيجَابُ نَسْخِ الْآيَةِ فَثَبَتَ أَنَّ النَّفْيَ إنَّمَا هُوَ تَعْزِيرٌ وَلَيْسَ بِحَدٍّ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي النَّصِّ غَيْرُ جَائِزَةٍ إلا بمثلي مَا يَجُوزُ بِهِ النَّسْخُ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ النَّفْيُ حَدًّا مَعَ الْجَلْدِ لَكَانَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ تِلَاوَتِهِ تَوْقِيفٌ لِلصَّحَابَةِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَعْتَقِدُوا عِنْدَ سَمَاعِ التِّلَاوَةِ أَنَّ الْجَلْدَ هُوَ جَمِيعُ حَدِّهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ وُرُودُهُ فِي وَزْنِ وُرُودِ نَقْلِ الْآيَةِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ خَبَرُ النَّفْيِ بِهَذِهِ المنزلة بل كان ومن طَرِيقِ الْآحَادِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدٍّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفَ فِي الْخَمْرِ إلَى خَيْبَرَ فلحق بهر قل فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهَا أَحَدًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ الزِّنَا
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْبِكْرَيْنِ إذَا زَنَيَا يُجْلَدَانِ وَلَا يُنْفَيَانِ وَإِنَّ نَفْيَهُمَا مِنْ الْفِتْنَةِ
وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَمَةً لَهُ زَنَتْ فَجَلَدَهَا وَلَمْ يَنْفِهَا وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً فَلَوْ كَانَ النَّفْيُ ثَابِتًا مَعَ الْجَلْدِ عَلَى أَنَّهُمَا حَدُّ الزَّانِي لَمَا خَفِيَ عَلَى كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا
رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَشِبْلٌ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَمَةِ إذَا زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا فَإِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ
وَقَدْ حَوَى هَذَا الْخَبَرُ الدَّلَالَةَ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى صِحَّةِ قولنا أحدهما