مَنْسُوخَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَ رَجَبَ ثُمَّ يَعْتَرُونَ وَهِيَ الرَّجَبِيَّةُ وَقَدْ كَانَ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ عَوْنٍ يَفْعَلَانِهِ وَلَمْ تَقُمْ الدَّلَالَةُ عَلَى نَسْخِ الْأُضْحِيَّةِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ بِمُقْتَضَى الْخَبَرِ إلَّا أَنَّهُ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أُضْحِيَّةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاجِبَ من الأضحية لا يجزى عن أهل البيت وإنما يجزى عَنْ وَاحِدٍ فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يرد الإيجاب ومما يحتج لموجبيها
مَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَوْنٍ الْبَزْوَرِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إسماعيل المؤدب عن مجاهد عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْأَضْحَى فَقَالَ مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ فَلْيَذْبَحْ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي ذَبَحْت لِيَأْكُلَ مَعَنَا أَصْحَابُنَا إذَا رَجَعْنَا قَالَ لَيْسَ بِنُسُكٍ قَالَ عِنْدِي جَذَعَةٌ مِنْ الْمَعْزِ قَالَ تُجْزِي عَنْك وَلَا تُجْزِي عَنْ غَيْرِك
فَيُسْتَدَلُّ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ بِوُجُوهٍ عَلَى الْوُجُوبِ أَحَدُهَا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَشَهِدَ مَعَنَا فَلْيَذْبَحْ بَعْدَ الصَّلَاةِ
وَهُوَ أَمْرٌ بِالذَّبْحِ يَقْتَضِي ظَاهِرُهُ الْوُجُوبَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُجْزِي عَنْك وَلَا تُجْزِي عَنْ غَيْرِك
وَمَعْنَاهُ تَقْضِي عَنْك لِأَنَّهُ يُقَالُ جَزَى عَنِّي كَذَا بِمَعْنَى قَضَى عَنِّي وَالْقَضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ وَاجِبٍ فَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ الْوُجُوبَ وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ
فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ فَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيُعِدْ أُضْحِيَّتَهُ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي بُرْدَةَ أَعِدْ أُضْحِيَّتَك
وَمَنْ يَأْبَى ذَلِكَ يَقُولُ إنَّ
قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى مَعَنَا هَذِهِ الصَّلَاةَ وَشَهِدَ مَعَنَا فَلْيَذْبَحْ
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْإِيجَابَ لِأَنَّ وُجُوبَهَا لَا يَتَعَلَّقُ بِشُهُودِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَلَمَّا عَمَّ الْجَمِيعَ وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهِ الْأَغْنِيَاءَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّدْبَ وَأَمَّا
قَوْلُهُ تُجْزِي عَنْك
فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ جَوَازَ قُرْبَةٍ وَالْجَوَازُ وَالْقَضَاءُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا جَوَازُ قُرْبَةٍ وَالْآخَرُ جَوَازُ فَرْضٍ فَلَيْسَ فِي ظَاهِرِ إطْلَاقِ لَفْظِ الْجَوَازِ وَالْقَضَاءِ دَلَالَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بُرْدَةَ قَدْ كَانَ أَوْجَبَ الْأُضْحِيَّةَ نَذْرًا فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ فَإِذًا ليس فيما خاطب به أبو بُرْدَةَ دَلَالَةٌ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِي شَخْصٍ مُعَيَّنٍ لَيْسَ بِعُمُومِ لَفْظٍ فِي إيجَابِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَإِنْ قِيلَ لَوْ أَرَادَ الْقَضَاءَ عَنْ وَاجِبٍ لَسَأَلَهُ عَنْ قِيمَتِهِ لِيُوجِبَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ قِيلَ لَهُ قَدْ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ إنَّ عِنْدِي جَذَعَةً خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَكَانَتْ الْجَذَعَةُ خَيْرًا مِنْ الْأُولَى وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى لُزُومِهَا بِالنَّذْرِ فَلَوْلَا أَنَّ لَهَا أَصْلًا فِي الْوُجُوبِ لَمَا لَزِمَتْ بِالنَّذْرِ كَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الْوُجُوبِ فَلَا تَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ للوجوب