فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يرض عمر فلصفوان أربع مائة دِرْهَمٍ زَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْمَرٍ فَأَخَذَهَا عُمَرُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ بِنَاءِ بُيُوتِ مَكَّةَ وَأَكْرَهُ بَيْعَ أَرَاضِيهَا وَرَوَى سُلَيْمَانُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَكْرَهُ إجَارَةَ بُيُوتِ مَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ وَفِي الرَّجُلِ يُقِيمُ ثُمَّ يَرْجِعُ فَأَمَّا الْمُقِيمُ وَالْمُجَاوِرُ فَلَا نَرَى بِأَخْذِ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَأْسًا وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَيْعَ دُورِ مَكَّةَ جَائِزٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَمْ يَتَأَوَّلْ هَؤُلَاءِ السَّلَفُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَى الحرم كله إلا ولا اسم شَامِلٌ لَهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّرْعِ إذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَتَأَوَّلَ الْآيَةَ عَلَى مَعْنًى لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ عَلِمُوا وُقُوعَ اسْمِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْحَرَمِ مِنْ طَرِيقِ التَّوْقِيفِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ
وَالْمُرَادُ فِيمَا رُوِيَ الْحُدَيْبِيَةُ وَهِيَ بَعِيدَةٌ مِنْ الْمَسْجِدِ قَرِيبَةٌ مِنْ الْحَرَمِ وَرُوِيَ أَنَّهَا عَلَى شَفِيرِ الْحَرَمِ
وَرَوَى الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَضْرِبُهُ فِي الْحِلِّ وَمُصَلَّاهُ فِي الْحَرَمِ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَسْجِدِ الحرام هاهنا الحرم كله ويدل عليه قوله تعالى يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْمُرَادُ إخْرَاجُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ مَكَّةَ حِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عِبَارَةً عَنْ الْحَرَمِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ الْحَرَمِ كُلِّهِ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ والمراد به انْتَهَكَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ بِالظُّلْمِ فِيهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ اقْتَضَى قَوْلُهُ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ تَسَاوِيَ النَّاسِ كُلِّهِمْ فِي سُكْنَاهُ وَالْمُقَامِ بِهِ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنَّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي وُجُوبِ اعْتِقَادِ تَعْظِيمِهِ وَحُرْمَتِهِ قِيلَ لَهُ هُوَ عَلَى الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا مِنْ اعْتِقَادِ تَعْظِيمِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمِنْ تَسَاوِيهِمْ فِي سُكْنَاهُ وَالْمُقَامِ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ بَيْعُهُ لِأَنَّ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي سُكْنَاهُ كَمَا لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَصِحُّ لِلْمُشْتَرِي تَسَلُّمُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَسَبَ الِانْتِفَاعِ بِالْأَمْلَاكِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَمَّا إجَارَةُ الْبُيُوتِ فَإِنَّمَا أَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْبِنَاءُ مِلْكًا لِلْمُؤَاجِرِ فَيَأْخُذُ أُجْرَةَ مِلْكِهِ فَأَمَّا أُجْرَةُ الْأَرْضِ فَلَا تَجُوزُ وَهُوَ مِثْلُ بِنَاءِ الرَّجُلِ فِي أَرْضٍ لِآخَرَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ إجَارَةُ الْبِنَاءِ وَقَوْلُهُ الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّ الْعَاكِفَ أَهْلُهُ وَالْبَادِيَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ قَوْله تَعَالَى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ فَإِنَّ الْإِلْحَادَ هُوَ الْمَيْلُ عَنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ اللَّحْدُ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّهُ مَائِلٌ إلَى شِقِّ