قِيمَتُهَا لِدَلَالَةٍ قَدْ دَلَّتْ عَلَيْهِ وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَاتِلِ وَالْجَانِي أَفْضَلُ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ آخر سورة النحل.
سُورَةُ بَنِي إسْرَائِيلَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ رُوِيَ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ بَيْتِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَقَالَ تَعَالَى مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ لِأَنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ مَسْجِدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِيمَا سَلَفَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ مَعْنَاهُ كان في نَفْسُهُ فَأُسْرِيَ بِهِ
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها قِيلَ مَعْنَاهُ فَإِلَيْهَا كَمَا يُقَالُ أَحْسَنَ إلَى نَفْسِهِ وَأَسَاءَ إلَى نَفْسِهِ وَحُرُوفُ الْإِضَافَةِ يَقَعُ بَعْضُهَا مَوْضِعَ بَعْضٍ إذَا تَقَارَبَتْ وَقَالَ تَعَالَى بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها وَالْمَعْنَى أَوْحَى إلَيْهَا
قَوْله تَعَالَى فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ يَعْنِي جَعَلْنَاهَا لَا يُبْصَرُ بِهَا كَمَا لَا يُبْصَرُ بِمَا يُمْحَى مِنْ الْكِتَابِ وَهُوَ فِي نِهَايَةِ الْبَلَاغَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ السَّوَادُ الَّذِي فِي الْقَمَرِ
قَوْله تَعَالَى وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ قِيلَ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ عَمَلَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي الطَّائِرِ الَّذِي يَجِيءُ مِنْ ذَاتِ الْيَمِينِ فَيَتَبَرَّكُ بِهِ وَالطَّائِرُ الَّذِي يَجِيءُ مِنْ ذَاتِ الشِّمَالِ فَيُتَشَاءَمُ بِهِ فَجَعَلَ الطَّائِرَ اسْمًا لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا فَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهِ دُونَ ذِكْرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِيَالِهِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي عُنُقِهِ كَالطَّوْقِ الَّذِي يُحِيطُ بِهِ وَيُلَازِمُهُ مُبَالَغَةً فِي الْوَعْظِ وَالتَّحْذِيرِ وَاسْتِدْعَاءً إلَى الصلاح وزجرا عن الفساد
قوله وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ فِيمَا كَانَ طَرِيقُهُ السَّمْعَ دُونَ الْعَقْلِ إلَّا بِقِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الرَّسُولِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَسْمَعْ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الشَّرَائِعِ السَّمْعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا إذَا عَلِمَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا لَهُ إلَّا بَعْدَ قِيَامِ حُجَّةِ السَّمْعِ عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ وَرَدَتْ السُّنَّةُ فِي قِصَّةِ أَهْلِ قباء حِينَ أَتَاهُمْ آتٍ أَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَسْتَأْنِفُوا لِفَقْدِ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِنَسْخِ الْقِبْلَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِيمَا تَرَكَ قَالُوا وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِفَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ