الْكِتَابِ وَالْكُفْرَ بِبَعْضٍ آخَرَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ جَوَازُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ كُفْرٌ مِنْ وَجْهٍ وَإِيمَانٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ صِفَةُ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ لِأَنَّ صِفَةَ مُؤْمِنٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ صِفَةُ مَدْحٍ وَصِفَةَ كَافِرٍ صِفَةُ ذَمٍّ وَيَتَنَافَى اسْتِحْقَاقُ الصِّفَتَيْنِ مَعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ
قَوْله تَعَالَى قُلْ هَذِهِ سبيلى أدعوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ مَبْعُوثٌ بِدُعَاءِ النَّاسِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ كَأَنَّهُ يُبْصِرُهُ بِعَيْنِهِ وَأَنَّ مَنْ اتَّبَعَهُ فَذَلِكَ سَبِيلُهُ فِي الدُّعَاءِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ دُعَاءَ النَّاسِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ
قَوْله تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إليهم من أهل القرى قِيلَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَ الْبَوَادِي لِأَنَّ أهل الأمصار أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَأَحْرَى بِقَبُولِ النَّاسِ مِنْهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ لَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَطُّ وَلَا مِنْ الْجِنِّ وَلَا مِنْ النساء
قوله تعالى حتى إذا استياس الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا الْيَأْسُ انْقِطَاعُ الطَّمَعِ وَقَوْلُهُ كُذِبُوا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ وَبِالتَّثْقِيلِ فَإِذَا قُرِئَ بِالتَّخْفِيفِ كَانَ مَعْنَاهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ قَالُوا ظَنَّ الْأُمَمُ أَنَّ الرُّسُلَ كَذَبُوهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ مِنْ نصر الله تعالى لهم وإهلاك أَعْدَائِهِمْ وَرُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَبْحَابِ قَالَ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي حُرَّةَ الْجَزَرِيُّ قَالَ صَنَعْت طَعَامًا فَدَعَوْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِنَا فِيهِمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَرْسَلْت إلَى الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ فَأَبَى أَنْ يَجِيءَ فَأَتَيْتُهُ فَلَمْ أَدَعْهُ حَتَّى جَاءَ قَالَ فسأل فتى من قريش سعيد ابن جُبَيْرٍ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ فَإِنِّي إذَا أَتَيْت عَلَيْهِ تَمَنَّيْت أَنِّي لَا أَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ حتى إذا استياس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا قَالَ نَعَمْ حَتَّى إذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُمْ وَظَنَّ الْمُرْسَلُ إلَيْهِمْ أَنَّ الرُّسُلَ كُذِبُوا مُخَفَّفَةً فَقَالَ الضَّحَّاكُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطُّ رَجُلًا يُدْعَى إلَى عِلْمٍ فَيَتَلَكَّأُ لَوْ رَحَلْت فِي هَذَا إلَى الْيَمَنِ كَانَ قَلِيلًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ سَأَلَ سَعِيدًا عَنْهُ فَأَجَابَهُ بِذَلِكَ فَقَامَ إلَيْهِ مُسْلِمٌ فَاعْتَنَقَهُ وَقَالَ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْك كَمَا فَرَّجْت عَنِّي وَمَنْ قَرَأَ كُذِّبُوا بِالتَّشْدِيدِ كَانَ مَعْنَاهُ أَيْقَنُوا أَنَّ الْأُمَمَ قَدْ كَذَّبُوهُمْ فَكَذِبُنَا عَمَّهُمْ حَتَّى لَا يُفْلِحَ أَحَدٌ مِنْهُمْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ آخِرُ سورة يوسف.