أَنْ يَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْفُسِهِمْ وَقَدْ كَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَبَذَلَ نَفْسَهُ لِلْقَتْلِ لِيَقِيَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله تعالى ولا يطؤن مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نيلا فِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ وَطْءَ دِيَارِهِمْ بِمَنْزِلَةِ النَّيْلِ مِنْهُمْ وَهُوَ قَتْلُهُمْ أَوْ أَخْذُ أَمْوَالِهِمْ أَوْ إخْرَاجُهُمْ عَنْ دِيَارِهِمْ هَذَا كُلُّهُ نَيْلٌ مِنْهُمْ وَقَدْ سَوَّى بَيْنَ وَطْءِ مَوْضِعٍ يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَبَيْنَ النَّيْلِ مِنْهُمْ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وَطْءَ دِيَارِهِمْ وَهُوَ الَّذِي يَغِيظُهُمْ وَيُدْخِلُ الذُّلَّ عَلَيْهِمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ نَيْلِ الْغَنِيمَةِ وَالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ مِنْ سِهَامِهِمَا بِدُخُولِ أَرْضِ الْحَرْبِ لِانْحِيَازِهِ الْغَنِيمَةَ وَالْقِتَالَ إذْ كَانَ الدُّخُولُ بِمَنْزِلَةِ حِيَازَةِ الْغَنَائِمِ وَقَتْلِهِمْ وَأَسْرِهِمْ وَنَظِيرُهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَوْله تَعَالَى وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب فَاقْتَضَى ذَلِكَ اعْتِبَارَ إيجَافِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلِذَلِكَ
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا وُطِئَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إلَّا ذَلُّوا
قَوْله تَعَالَى وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ليتفقهوا في الدين رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَسَخَ قَوْلَهُ فانفروا ثبات أو انفروا جميعا وقوله انفروا خفافا وثقالا فَقَالَ تَعَالَى مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا فِي السَّرَايَا وَيَتْرُكُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَحْدَهُ وَلَكِنْ تَبْقَى بَقِيَّةٌ لِتَتَفَقَّهَ ثُمَّ تُنْذِرَ النَّافِرَةَ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ وَقَالَ الْحَسَنُ لِتَتَفَقَّهَ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ ثُمَّ تُنْذِرَ إذَا رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا الْمُتَخَلِّفَةَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدين فَظَاهِرُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ النَّافِرَةُ هِيَ الَّتِي تَتَفَقَّهُ وَتُنْذِرُ قَوْمَهَا إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِمْ وَعَلَى التَّأْوِيلِ الْأَوَّلِ الْفِرْقَةُ الَّتِي نَفَرَتْ مِنْهَا الطَّائِفَةُ هِيَ الَّتِي تَتَفَقَّهُ وَتُنْذِرُ الطَّائِفَةَ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهَا وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ حُكْمَ الْعَطْفِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَا يَلِيهِ دُونَ مَا يَتَقَدَّمُهُ فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أن يكون قوله منهم طائفة ليتفقهوا
أَنْ تَكُونَ الطَّائِفَةُ هِيَ الَّتِي تَتَفَقَّهُ وَتُنْذِرُ وَلَا يَكُونُ مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ تَتَفَقَّهُ فِي الدِّينِ تَنْفِرُ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إزَالَةَ تَرْتِيبِ الْكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَإِثْبَاتَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فِيهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ لِيَتَفَقَّهُوا في الدين الطَّائِفَةُ أَوْلَى مِنْهُ بِالْفِرْقَةِ النَّافِرَةِ مِنْهَا الطَّائِفَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْرَ الطَّائِفَةِ لِلتَّفَقُّهِ مَعْنًى مَفْهُومٌ يَقَعُ النَّفْرُ مِنْ أَجْلِهِ وَالْفِرْقَةُ الَّتِي مِنْهَا الطَّائِفَةُ لَيْسَ تَفَقُّهُهَا لِأَجْلِ خُرُوجِ الطَّائِفَةِ مِنْهَا لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَفَقَّهُ بِمُشَاهَدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلُزُومِ حَضْرَتِهِ لَا لِأَنَّ الطَّائِفَةَ نفرت