فحصصنا منه لَمْ يَكُنْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ بِالْآيَةِ وَصَارَ قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم خَاصًّا فِي مُشْرِكِي الْعَرَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ وقَوْله تعالى وخذوهم واحصروهم يدل على حبسهم بعد الأخذ والاستبقاء بِقَتْلِهِمْ انْتِظَارًا لِإِسْلَامِهِمْ لِأَنَّ الْحَصْرَ هُوَ الْحَبْسُ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ حَصْرِ الْكُفَّارِ فِي حُصُونِهِمْ وَمُدُنِهِمْ إنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَأَنْ يُلْقَوْا بالحصار قوله تعالى فاقتلوا المشركين يَقْتَضِي عُمُومُهُ جَوَازَ قَتْلِهِمْ عَلَى سَائِرِ وُجُوهِ الْقَتْلِ إلَّا أَنَّ السُّنَّةَ قَدْ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَعَنْ قَتْلِ الصَّبْرِ بِالنَّبْلِ وَنَحْوِهِ
وقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ أَعَفُّ النَّاسِ قِتْلَةً أَهْلُ الْإِيمَانِ
وَقَالَ إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ
وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِينَ قَتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ بِالْإِحْرَاقِ وَالْحِجَارَةِ وَالرَّمْيِ مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالتَّنْكِيسِ فِي الْآبَارِ إنَّمَا ذَهَبَ فِيهِ إلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ وَكَذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِينَ أَحْرَقَ قَوْمًا مُرْتَدِّينَ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ اعْتَبَرَ عُمُومَ الْآيَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم لا يخلوا قَوْله تَعَالَى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزكاة مِنْ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مِنْهُمْ شَرْطًا فِي زَوَالِ الْقَتْلِ عَنْهُمْ وَيَكُونَ قَبُولُ ذَلِكَ وَالِانْقِيَادُ لِأَمْرِ اللَّه تَعَالَى فِيهِ هُوَ الشَّرْطَ دُونَ وُجُودِ الْفِعْلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ وُجُودَ التَّوْبَةِ مِنْ الشِّرْكِ شَرْطٌ لَا مَحَالَةَ فِي زَوَالِ الْقَتْلِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ لَوْ قَبِلُوا أَمْرَ اللَّه فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَلَمْ يَكُنْ الْوَقْتُ وَقْتَ صَلَاةٍ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَأَنَّ دمائهم مَحْظُورَةٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ شَرْطَ زَوَالِ الْقَتْلِ عَنْهُمْ هُوَ قَبُولُ أَوَامِرِ اللَّه وَالِاعْتِرَافُ بِلُزُومِهَا دُونَ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لَا يَلْزَمُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ حَوْلٍ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ شَرْطًا فِي زَوَالِ الْقَتْلِ وَكَذَلِكَ فِعْلُ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَإِنَّمَا شَرْطُهُ قَبُولُ هَذِهِ الْفَرَائِضِ وَالْتِزَامُهَا وَالِاعْتِرَافُ بِوُجُوبِهَا فَإِنْ قِيلَ لَمَّا قَالَ اللَّه تَعَالَى فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فشرط مع التوبة قبل الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْبَةَ إنَّمَا هِيَ الْإِقْلَاعُ عَنْ الْكُفْرِ وَالرُّجُوعُ إلَى الْإِيمَانِ فَقَدْ عُقِلَ بِذِكْرِهِ التَّوْبَةَ الْتِزَامُ هَذِهِ الْفَرَائِضِ وَالِاعْتِرَافُ بِهَا إذْ لَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ إلَّا بِهِ ثُمَّ لَمَّا شَرَطَ مَعَ التَّوْبَةِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْمُزِيلَ لِلْقَتْلِ هُوَ اعْتِقَادُ الْإِيمَانِ بِشَرَائِطِهِ وَفِعْلُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فِي وَقْتِ وجوبهما