ثبتت أقدامهم عليه وصاروا وبالأعلى عَدُوِّهِمْ لِأَنَّ فِي الْخَبَرِ أَنَّ أَرْضَهُمْ صَارَتْ وَحْلًا حَتَّى مَنَعَهُمْ مِنْ الْمَسِيرِ وَمِنْهَا الطُّمَأْنِينَةُ الَّتِي صَارَتْ فِي قُلُوبِهِمْ بَعْدَ كَرَاهَتِهِمْ لِلِقَاءِ الْجَيْشِ وَمِنْهَا النُّعَاسُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِمْ فِي الْحَالِ الَّتِي يَطِيرُ فِيهَا النُّعَاسُ وَمِنْهَا رَمْيُهُ التراب وهزيمة الكفار به.
قَالَ اللَّه تَعَالَى وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لقتال أو متحيزا إلى فئة رَوَى أَبُو نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ أَبُو نَضْرَةَ لِأَنَّهُمْ لَوْ انْحَازُوا يَوْمَئِذٍ لَانْحَازُوا إلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمٌ غَيْرُهُمْ وَهَذَا الذي قاله أبو نضيرة لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ خَلْقٌ كثير من الأنصار ولم يأمرهم النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم بِالْخُرُوجِ وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ يَكُونُ قِتَالٌ وَإِنَّمَا ظَنُّوا أَنَّهَا الْعِيرُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فِيمَنْ خَفَّ مَعَهُ فَقَوْلُ أَبِي نَضْرَةَ إنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُسْلِمٌ غَيْرَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَوْ انْحَازُوا انْحَازُوا إلَى الْمُشْرِكِينَ غَلَطٌ لِمَا وَصَفْنَا وَقَدْ قِيلَ إنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا لَهُمْ الِانْحِيَازُ يَوْمَئِذٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ الِانْحِيَازُ جَائِزًا لَهُمْ عَنْهُ قَالَ اللَّه تَعَالَى مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَخْذُلُوا نَبِيَّهُمْ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَيَنْصَرِفُوا عَنْهُ وَيُسْلِمُوهُ وَإِنْ كَانَ اللَّه قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِهِ وَعَصَمَهُ مِنْ النَّاسِ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ وَكَانَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ قَلَّتْ أَعْدَاؤُهُمْ أَوْ كَثُرُوا وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانَ فِئَةَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ وَمَنْ كَانَ بمنحاز عن القتل فَإِنَّمَا كَانَ يَجُوزُ لَهُ الِانْحِيَازُ عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ انْحِيَازُهُ إلَى فِئَةٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم فئتهم يومئذ ولم تكن فِئَةٌ غَيْرَهُ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ كُنْت فِي جَيْشٍ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً وَاحِدَةً وَرَجَعْنَا إلَى المدينة فقلنا نحن الفرارون فقال النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم أَنَا فِئَتُكُمْ
فَمَنْ كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْ النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ إذَا انْحَازَ عَنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّمَا كَانَ يجوز له الانحياز إلى فئة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَإِذَا كَانَ مَعَهُمْ فِي الْقِتَالِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِئَةٌ غَيْرَهُ يَنْحَازُونَ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُمْ الْفِرَارُ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي قوله تعالى ومن يولهم يومئذ دبره قَالَ شَدَدْت عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ وَقَالَ اللَّه تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ فَرُّوا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَرُّوا عَنْ النَّبِيِّ صلّى اللَّه عليه وآله وَسَلَّمَ فَعَاقَبَهُمْ اللَّه عَلَى