وَقَدْ رَوَى عِكْرِمَةُ فِي قِصَّةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي بَقَاءِ حُكْمِ جَوَازِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى وَشُرَيْحٍ هِيَ ثَابِتَةٌ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ قَالَ أو آخران من غيركم إنَّهُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا الْآيَةَ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِي السَّفَرِ وَلَا يُحْفَظُ عَنْهُمْ بَقَاءُ هَذَا الْحُكْمِ أَوْ نَسْخُهُ وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْله تَعَالَى شهادة بينكم قَالَ كَانَ ذَلِكَ فِي رِجْلٍ تُوُفِّيَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالْأَرْضُ حَرْبٌ وَالنَّاسُ كُفَّارٌ إلَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ النَّاسُ يَتَوَارَثُونَ بِالْمَدِينَةِ بِالْوَصِيَّةِ ثُمَّ نُسِخَتْ الْوَصِيَّةُ وَفُرِضَتْ الْفَرَائِضُ وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا وَرُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ نسختها وأشهدوا ذوى عدل منكم
وَرَوَى ضَمْرَةَ بْنُ جُنْدُبٍ وَعَطِيَّةَ بْنُ قَيْسٍ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا فَأَحِلُّوا حَلَالَهَا وَحَرِّمُوا حَرَامَهَا
قَالَ جُبَيْرُ بْنُ نَفِيرٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ الْمَائِدَةُ مِنْ آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَاسْتَحَلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرَامٍ فَاسْتَحْرِمُوهُ وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي مُيَسَّرَةَ قَالَ فِي الْمَائِدَةِ ثَمَانِي عَشْرَةَ فَرِيضَةً وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ وَقَالَ الْحَسَنُ لَمْ يُنْسَخْ مِنْ الْمَائِدَةِ شَيْءٌ فَهَؤُلَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْآيَةِ شَيْءٌ مَنْسُوخٌ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ جَوَازَ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُسْلِمِ فِي السَّفَرِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ بَيْعٌ أَوْ إقْرَارٌ بِدَيْنٍ أَوْ وَصِيَّةٍ بِشَيْءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ هَذَا كُلُّهُ يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَصِيَّةِ إذَا عَقَدَهُ فِي مَرَضِهِ وَعَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى أجاز شهادتهما عليه الْوَصِيَّةِ لَمْ يُخَصِّصْ بِهَا الْوَصِيَّةَ دُونَ غَيْرِهَا وَحِينَ الْوَصِيَّةِ قَدْ يَكُونُ إقْرَارٌ بِدَيْنٍ أَوْ بِمَالِ عَيْنٍ وَغَيْرُهُ لَمْ تُفَرِّقْ الْآيَةُ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْهُ ثُمَّ قَدْ رُوِيَ أَنَّ آيَةَ الذين مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنَّ كَانَ قَوْمٌ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمَائِدَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ وَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يُرِيدُوا بِقَوْلِهِمْ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنْ آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجُمْلَةِ لَا عَلَى أَنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْهَا مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَآيَةُ الدَّيْنِ لَا مَحَالَةَ نَاسِخَةٌ لِجَوَازِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ لِقَوْلِهِ إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أجل مسمى- إلى قوله- واستشهدوا شهيدين من رجالكم وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْخِطَابَ تَوَجَّهَ إلَيْهِمْ بِاسْمِ الْإِيمَانِ وَلَمْ يُخَصِّصْ بِهَا حَالَ الْوَصِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا فَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْجَمِيعِ ثم قال ممن ترضون من الشهداء وَلَيْسَ الْكُفَّارُ بِمَرْضِيِّينَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَتَضَمَّنَتْ آيَةُ الدَّيْنِ