النِّيَّةِ فِيهَا وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَالتَّاسِعُ والستون دلالة قوله وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ عَلَى أَنَّ الْمَقْصِدَ حُصُولُ الطَّهَارَةِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ حَصَلَتْ مِنْ تَرْتِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمِنْ مُوَالَاةٍ أَوْ تَفْرِيقٍ وَمِنْ وُجُوبِ نِيَّةٍ أَوْ
عَدَمِهَا وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَالسَّبْعُونَ دَلَالَةُ قوله فَاطَّهَّرُوا عَلَى سُقُوطِ اعْتِبَارِ تَقْدِيرِ الْمَاءِ إذْ كَانَ الْمُرَادُ التَّطْهِيرَ وَعَلَى أَنَّ اغْتِسَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّاعِ غَيْرُ مُوجِبٍ اعْتِبَارَهُ والواحد والسبعون أن قوله تعالى وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ فيه دلالة عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَسْحُهُ بِالْمَاءِ فَهَذِهِ وُجُوهُ دَلَالَاتِ هَذِهِ الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى الْمَعَانِي وَضُرُوبِ الْأَحْكَامِ مِنْهَا نُصُوصٌ وَمِنْهَا احْتِمَالٌ فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي يَجِبُ تَقْدِيمُهَا أَمَامَ الصَّلَاةِ وَشُرُوطُهَا الَّتِي تَصِحُّ بِهَا وَعَسَى أَنْ يَكُونَ كَثِيرٌ مِنْ دَلَائِلِهَا وَضُرُوبِ احْتِمَالِهَا مِمَّا لَمْ يَبْلُغْهُ عِلْمُنَا متى يحث عَنْهَا وَاسْتُقْصِيَ النَّظَرُ فِيهَا أَدْرَكَهَا مَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَمَعْنَاهُ كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ بِالْحَقِّ فِي كُلِّ مَا يَلْزَمُكُمْ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجْتِنَابِهِ فَهَذَا هو القيام لله بالحق وقوله [شهداء لله بالقسط] يَعْنِي بِالْعَدْلِ قَدْ قِيلَ فِي الشَّهَادَةِ إنَّهَا الشَّهَادَاتُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ وَقِيلَ إنَّهُ أَرَادَ الشَّهَادَةَ عَلَى النَّاسِ بِمَعَاصِيهِمْ كقوله تعالى لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَكَانَ مَعْنَاهُ أَنْ كُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدَالَةِ الَّذِينَ حَكَمَ اللَّهُ بِأَنَّ مِثْلَهُمْ يَكُونُونَ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الشهادة لأمر لله بِأَنَّهُ الْحَقُّ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مُرَادَةً لاحتمال اللفظ لها وقوله تَعَالَى وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْيَهُودِ حِينَ ذَهَبَ إلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَعِينَهُمْ فِي دِيَةٍ فَهَمُّوا أَنْ يَقْتُلُوهُ وَقَالَ الْحَسَنُ نَزَلَتْ فِي قُرَيْشٍ لَمَّا صَدُّوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَعْنَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي قَوْلِهِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا فَحَمَلَهُ الْحَسَنُ عَلَى مَعْنَى الْآيَةِ الْأُولَى وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي غَيْرِهِمْ وَأَنْ لَا تَكُونَ تَكْرَارًا وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِالْعَدْلِ عَلَى الْمُحِقِّ وَالْمُبْطِلِ وَحُكِمَ بِأَنَّ كُفْرَ الْكَافِرِينَ وَظُلْمَهُمْ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَدْلِ عَلَيْهِمْ وَأَنْ لَا يُتَجَاوَزَ فِي قِتَالِهِمْ وَقَتْلِهِمْ مَا يَسْتَحِقُّونَ وَأَنْ يَقْتَصِرَ بِهِمْ عَلَى