وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنَصٍّ مِثْلِهِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ النَّصَّ لَهُ حُكْمُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسْقَطَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ شُرِطَتْ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ النِّيَّةُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهَا فِي اللَّفْظِ قِيلَ لَهُ إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ اسْمٌ مُجْمَلٌ مُفْتَقِرٌ إلَى الْبَيَانِ غَيْرُ مُوجِبٍ لِلْحُكْمِ بِنَفْسِهِ إلَّا بِبَيَانٍ يَرِدُ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ الْبَيَانُ بإيجاب إليه فَلِذَلِكَ أَوْجَبْنَاهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ اسْمٌ شَرْعِيٌّ ظَاهِرُ الْمَعْنَى بَيِّنُ الْمُرَادِ فَمَهْمَا أَلْحَقْنَا بِهِ مَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ عِبَارَةً عَنْهُ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي النَّصِّ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا بِنَصٍّ مِثْلِهِ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى إيجَابِ النِّيَّةِ فِيهَا فَلَوْ كَانَ اسْمُ الصَّلَاةِ عُمُومًا لَيْسَ بِمُجْمَلٍ لَجَازَ إلْحَاقُ النِّيَّةِ بها بالاتفاق فهي إذا كانت مجملا أحرى بإثبات النية فيها من جهة الإجماع.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كُلُّ طَهَارَةٍ بِمَاءٍ تَجُوزُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَلَا يُجْزِي التَّيَمُّمُ إلَّا بِنِيَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُجْزِي الْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَلَمْ تُحْفَظْ عَنْهُ فِي التَّيَمُّمِ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُجْزِي الْوُضُوءُ وَلَا الْغُسْلُ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يُجْزِي الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ جَمِيعًا بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَلَمْ نَجِدْ هَذَا الْقَوْلَ فِي التَّيَمُّمِ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ قَدَّمْنَا ذِكْرَ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وقَوْله تَعَالَى وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا دل عَلَى جَوَازِ الِاغْتِسَالِ مِنْ الْجَنَابَةِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ كَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي بَيَّنَّا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْله تَعَالَى وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً وَمَعْنَاهُ مُطَهِّرًا فَحَيْثُمَا وُجِدَ فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا وَلَوْ شَرَطْنَا فِيهِ النِّيَّةَ كُنَّا قَدْ سَلَبْنَاهُ الصِّفَةَ الَّتِي وَصَفَهُ اللَّهُ بِهَا مِنْ كَوْنِهِ طَهُورًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ طَهُورًا إلَّا بِغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى جَعَلَهُ طَهُورًا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ مَعْنًى آخَرَ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ إيجَابُ شَرْطِ النِّيَّةِ فِيهِ لَا يُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا
وَقَالَ التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ
وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إيجَابَ النِّيَّةِ شَرْطًا فِيهِ قِيلَ لَهُ إنَّمَا سَمَّاهُ طَهُورًا عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ تَشْبِيهًا لَهُ بِالْمَاءِ فِي بَابِ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَلَا يُزِيلُ النَّجَسَ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ سَمَّاهُ طَهُورًا اسْتِعَارَةً ومجازا ومن