الْفَجْرَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ هُمَا فَجْرَانِ وَلَيْسَا فَجْرًا وَاحِدًا فَيَتَنَاوَلُهُمَا إطْلَاقُ الِاسْمِ مَعًا كَذَلِكَ الشَّفَقُ ومما يحتج به القائلين بِالْبَيَاضِ
حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ لِسُقُوطِ الْقَمَرِ اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ
وَظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي غَيْبُوبَةَ الْبَيَاضِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَلَا يَمْتَنِعُ بَقَاءُ الْبَيَاضِ بَعْدَ سُقُوطِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ قَدْ غَابَ قَبْلَ سُقُوطِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَحَكَى (?) ابْنُ قُتَيْبَةَ عَنْ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ رَاعَيْت الْبَيَاضَ فَرَأَيْته لَا يَغِيبُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يَسْتَدِيرُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَطْلَعِ الْفَجْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَهَذَا غَلَطٌ وَالْمِحْنَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَقَدْ رَاعَيْتُهُ فِي الْبَوَادِي فِي لَيَالِيِ الصَّيْفِ وَالْجَوُّ نَقِيٌّ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ فَإِذَا هُوَ يَغِيبُ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ اللَّيْلِ رُبُعُهُ بِالتَّقْرِيبِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ فَلْيُجَرِّبْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ غَلَطُ هَذَا الْقَوْلِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّفَقِ الْبَيَاضُ أَنَّا وَجَدْنَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حُمْرَةً وبياضا قبلها وكان جَمِيعًا مِنْ وَقْتِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إذْ كَانَا جَمِيعًا مِنْ ضِيَاءِ الشَّمْسِ دُونَ ظُهُورِ جُرْمِهَا كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْحُمْرَةُ وَالْبَيَاضُ جَمِيعًا بَعْدَ غُرُوبِهَا مِنْ وَقْتِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِلْعِلَّةِ التي ذكرناها.
وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ مِنْ حِينِ يَغِيبُ الشَّفَقُ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِ إلَى أَنْ يَذْهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا إلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا تَفُوتُ إلَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَقْتُ الْعِشَاءِ إذَا سَقَطَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالنِّصْفُ أَبْعَدُهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا أَرَادَا الْوَقْتَ الْمُسْتَحَبَّ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهَا لَا تفوت إلا بطلوع الفجر