فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ كُلَّ دَمٍ مُحَرَّمٌ إلَّا الْكَبِدَ وَالطِّحَالَ، بِاسْتِثْنَاءِ السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ التَّحْرِيمَ يَخْتَصُّ بِالْمَسْفُوحِ؛ قَالَتْهُ عَائِشَةُ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ.

وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] لَتَتَبَّعَ النَّاسُ مَا فِي الْعُرُوقِ.

قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الدَّمَ إذَا كَانَ مُفْرَدًا حَرُمَ مِنْهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَإِنْ خَالَطَ اللَّحْمَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا حَرُمَ الدَّمُ بِالْقَصْدِ إلَيْهِ.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ، وَحَرَّمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَحَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ؛ خَرَّجَهُ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ.

الثَّانِي: أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَا حَرَامَ فِيهَا إلَّا فِيمَا قَالَتْهُ عَائِشَةُ.

الثَّالِثِ: قَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَيَضُمُّ إلَيْهَا بِالسُّنَّةِ مَا فِيهَا مِنْ مُحَرَّمٍ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِالسُّنَّةِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي نَسْخِ السُّنَّةِ بِهَا.

وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ كُلِّهِ: كَمَا فِي تَفْصِيلِ الْأُصُولِ، لَكِنْ لَوْ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ مُحَرَّمٌ غَيْرُ هَذِهِ لَمَا كَانَ ذَلِكَ نَسْخًا؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ مُحَرَّمٍ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ أَوْ فَرْضٍ عَلَى الْمَفْرُوضَاتِ لَا يَكُونُ نَسْخًا بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لَا سِيَّمَا وَمَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ مُخْتَلَفٌ فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلِ: أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ كَمَا قَالُوا.

الثَّانِي: أَنَّهَا حُرِّمَتْ بِعِلَّةِ «أَنَّ جَائِيًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: فَنِيَتْ الْحُمُرُ. فَنِيَتْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015