وَهَذَا الْفِقْهُ صَحِيحٌ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَحْرَ لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ فَتَجْرِي فِيهِ الْغَنِيمَةُ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُبَاحِ الْمُطْلَقِ، كَالصَّيْدِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي ذَهَبٍ يُوجَدُ فِي الْبَحْرِ؟ قُلْنَا: لَا رِوَايَةَ فِيهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْبَحْرَ لَيْسَ بِمَعْدِنٍ لِلذَّهَبِ، فَوُجُودُهُ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّيُولَ قَذَفَتْهُ فِيهِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: يَحْتَمِلُ أَلَّا يَجِبَ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّ فِي الْبَحْرِ جِبَالًا لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا.

[الْآيَة الثَّامِنَة وَالْعُشْرُونَ قَوْله تَعَالَى جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ]

قَوْله تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة: 97].

فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْله تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ} [المائدة: 97]: وَهُوَ يَتَصَرَّفُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

الْأَوَّلُ: بِمَعْنَى سَمَّى، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3]. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْمُشْكِلَيْنِ بِمَا يَنْبَغِي.

الثَّانِي: بِمَعْنَى خَلَقَ، كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرًا، مِنْهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام: 1].

الثَّالِثُ: بِمَعْنَى صَيَّرَ، كَقَوْلِك، جَعَلْت الْمَتَاعَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ.

وَتَحْقِيقُهُ هَاهُنَا خَلَقَ ثَانِيًا وَصْفًا لِشَيْءٍ مَخْلُوقٍ أَوَّلًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ الْكَعْبَةَ وُجُودًا أَوَّلًا، ثُمَّ خَلَقَ فِيهَا صِفَاتٍ ثَانِيًا، فَ " خَلَقَ " عَامٌّ فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَ " جَعَلَ " خَاصٌّ فِي الثَّانِي خَبَرٌ عَنْ الصِّفَاتِ الَّتِي فِيهَا عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015