الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91]
فَقَالَ عُمَرُ: انْتَهَيْنَا. حِينَ عَلِمَ أَنَّ هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ، «وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَادِيَهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ: أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ؛ فَكُسِرَتْ الدِّنَانُ، وَأُرِيقَتْ الْخَمْرُ حَتَّى جَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، وَمَا كَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمئِذٍ إلَّا مِنْ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ»، وَهَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} [المائدة: 92] وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلتَّحْرِيمِ، وَتَشْدِيدٌ فِي الْوَعِيدِ. قَالَ: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَلَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ إلَّا الْبَلَاغُ، فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ. أَمَّا عِقَابُ التَّوْلِيَةِ وَالْمَعْصِيَةِ فَعَلَى الْمُرْسِلِ لَا عَلَى الرَّسُولِ.
إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93]. فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنْت سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي؛ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: اُخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ؛ قَالَ: فَخَرَجْت، فَقُلْت: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ. فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، وَكَانَ الْخَمْرُ مِنْ الْفَضِيخِ. قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ. فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ. قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93] إلَى قَوْلِهِ: {الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93]. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ صَحِيحًا عَنْ الْبَرَاءِ أَيْضًا.