فِيهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة: 33] ظَاهِرُهَا مُحَالٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يُحَارَبُ وَلَا يُغَالَبُ وَلَا يُشَاقُّ وَلَا يُحَادُّ؛ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ الْجَلَالِ، وَعُمُومِ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ عَلَى الْكَمَالِ، وَمَا وَجَبَ لَهُ مِنْ التَّنَزُّهِ عَنْ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ.
الثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَحَارِبِينَ فِي جِهَةٍ وَفَرِيقٍ عَنْ الْآخَرِ. وَالْجِهَةُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ لِمَا وَجَبَ مِنْ حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى الْمَجَازِ: مَعْنَاهُ يُحَارِبُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ؛ وَعَبَّرَ بِنَفْسِهِ الْعَزِيزَةِ سُبْحَانَهُ عَنْ أَوْلِيَائِهِ إكْبَارًا لِإِذَايَتِهِمْ، كَمَا عَبَّرَ بِنَفْسِهِ عَنْ الْفُقَرَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [البقرة: 245] لُطْفًا بِهِمْ وَرَحْمَةً لَهُمْ، وَكَشْفًا لِلْغِطَاءِ عَنْهُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «عَبْدِي مَرِضْت فَلَمْ تَعُدْنِي، وَجُعْت فَلَمْ تُطْعِمْنِي، وَعَطِشْت فَلَمْ تَسْقِنِي، فَيَقُولُ: وَكَيْفَ ذَلِكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: مَرِضَ عَبْدِي فُلَانٌ، وَلَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ». وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْبَارِي سُبْحَانَهُ مُحَالٌ، وَلَكِنَّهُ كَنَّى بِذَلِكَ عَنْهُ تَشْرِيفًا لَهُ، كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِثْلُهُ. وَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إنَّ الْحِرَابَةَ هِيَ الْكُفْرُ، وَهِيَ مَعْنًى صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ يَبْعَثُ عَلَى الْحَرْبِ؛ وَهَذَا مُبَيَّنٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: