الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا} [المائدة: 31]: فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَابِيلَ لَمْ يَدْرِ كَيْفَ يَفْعَلُ بِهَابِيلَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ الْغُرَابَيْنِ، فَتَنَازَعَا فَاقْتَتَلَا، فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ. الثَّانِي: أَنَّ الْغُرَابَ إنَّمَا بُعِثَ لِيُرِيَ ابْنَ آدَمَ كَيْفِيَّةَ الْمُوَارَاةِ لِهَابِيلَ خَاصَّةً.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {سَوْأَةَ أَخِيهِ} [المائدة: 31]: قِيلَ: هِيَ الْعَوْرَةُ. وَقِيلَ: لَمَّا أَنْتَنَ صَارَ كُلُّهُ عَوْرَةً، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ سَوْأَةً لِأَنَّهَا تَسُوءُ النَّاظِرَ إلَيْهَا عَادَةً.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: دَفْنُ الْمَيِّتِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِسَتْرِهِ. الثَّانِي: لِئَلَّا يُؤْذِيَ الْأَحْيَاءَ بِجِيفَتِهِ.
وَقِيلَ: إنَّهُمَا كَانَا مَلَكَيْنِ فِي صُورَةِ الْغُرَابَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَا غُرَابَيْنِ أَخَوَيْنِ، فَبَحَثَ الْأَرْضَ عَلَى سَوْأَةِ أَخِيهِ حَتَّى عَرَفَ كَيْفَ يَدْفِنُهُ.
وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ابْنَ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ حَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ سَنَةً يَدُورُ بِهِ، فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ، وَدَفَنَ فَتَعَلَّمَ، وَعَمِلَ مِثْلَ مَا رَأَى، وَقَالَ: أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ، وَكَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَبَرِهِ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21]. وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا} [المرسلات: 25] {أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا} [المرسلات: 26]. وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ؛ فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً بَاقِيَةً فِي الْخَلْقِ، وَفَرْضًا عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ عَلَى الْكِفَايَةِ، مَنْ فَعَلَهُ مِنْهُمْ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ فَرْضُهُ؛ وَأَخَصُّ الْخَلْقِ بِهِ الْأَقْرَبُونَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ مِنْ الْجِيرَةِ، ثُمَّ سَائِرُ النَّاسِ الْمُسْلِمِينَ؛ وَهُوَ حَقٌّ فِي الْكَافِرِ أَيْضًا، وَهِيَ: