أَهْدَى بَيْضَةً»
وَقَدْ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ: ثَوْبِي هَدْيٌ أَنَّهُ يَبْعَثُ بِثَمَنِهِ إلَى مَكَّةَ فِي اخْتِلَافٍ يَأْتِي بَيَانُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: وَأَمَّا الْقَلَائِدُ فَهِيَ كُلُّ مَا عُلِّقَ عَلَى أَسْنِمَةِ الْهَدَايَا عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّهَا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، مِنْ نَعْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهِيَ سُنَّةٌ إبْرَاهِيمِيَّةٌ بَقِيَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَقَرَّهَا الْإِسْلَامُ فِي الْحَجِّ. وَأَنْكَرَهَا أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ " إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: {وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2] يَعْنِي قَاصِدِينَ لَهُ، مِنْ قَوْلِهِمْ: أَمَمْت كَذَا، أَيْ قَصَدْته، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ قَصَدَهُ بِاسْمِ الْعِبَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا، كَالْكَافِرِ، وَهَذَا قَدْ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] فِي قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ غَيْرُ نَسْخٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ قَدْ بَقِيَتْ الْحُرْمَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2]: وَكَانَ سُبْحَانَهُ حَرَّمَ الصَّيْدَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] ثُمَّ أَبَاحَهُ بَعْدَ الْإِحْلَالِ، وَهُوَ زِيَادَةُ بَيَانٍ؛ لِأَنَّ رَبْطَهُ التَّحْرِيمَ بِالْإِحْرَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا زَالَ الْإِحْرَامُ زَالَ التَّحْرِيمُ، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى التَّحْرِيمُ لِعِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْإِحْرَامِ؛ فَبَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَدَمَ الْعِلَّةِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْإِبَاحَةِ؛ فَكَانَ نَصًّا فِي مَوْضِعِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِبَاحَةِ اتِّفَاقًا، وَقَدْ تَوَهَّمَ قَوْمٌ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ تَقْدِيمِ الْحَظْرِ عَلَيْهِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي " أُصُولِ الْفِقْهِ ".