وَالْمُسْتَوْشِمَات، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، وَالْمُغَيِّرَاتِ لِخَلْقِ اللَّهِ». فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّك لَعَنْت كَيْتَ وَكَيْتَ. فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ. فَقَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ. أَوَمَا قَرَأْتِ: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَك يَفْعَلُونَهُ. قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا. فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعْتهَا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: يُحْتَمَلُ قَوْلُهُ: إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ الْآنَ، أَوْ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِيمَا بَعْدُ مِنْ مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ.
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتٍ لَا يُفْتَقَرُ فِيهِ إلَى تَعْجِيلِ الْحَاجَةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الْمَحْصُولِ "، وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَبَاحَ لَنَا شَيْئًا وَحَرَّمَ عَلَيْنَا شَيْئًا اسْتِثْنَاءً مِنْهُ.
فَأَمَّا الَّذِي أَبَاحَ لَنَا فَسَمَّاهُ [وَبَيَّنَهُ].
وَأَمَّا الَّذِي اسْتَثْنَاهُ فَوَعَدَ بِذِكْرِهِ فِي حِينِ الْإِبَاحَةِ، ثُمَّ بَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ عَلَى اخْتِلَافِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَأْخِيرٌ لِلْبَيَانِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: 1] فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ. الثَّانِي: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ الْوَحْشِيَّةِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ.