فِي سِتَّةَ عَشَرَ مَوْضِعًا؛ فَأَمَّا قَوْلُ أَبِي مَيْسَرَةَ: إنَّ فِيهَا ثَمَانِي عَشْرَةَ فَرِيضَةً فَرُبَّمَا كَانَ أَلْفُ فَرِيضَةٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا نَحْنُ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ لِلْأَحْكَامِ. الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: شَاهَدْت الْمَائِدَةَ بِطُورِ زَيْتَا مِرَارًا، وَأَكَلْت عَلَيْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَذَكَرْت اللَّهَ سُبْحَانَهُ فِيهَا سِرًّا وَجِهَارًا، وَكَانَ ارْتِفَاعُهَا أَسْفَلَ مِنْ الْقَامَةِ بِنَحْوِ الشِّبْرِ، وَكَانَ لَهَا دَرَجَتَانِ قَلْبِيًّا وَجَوْفِيًّا، وَكَانَتْ صَخْرَةً صَلْدَاءَ لَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الْمَعَاوِلُ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: مُسِخَتْ صَخْرَةً إذْ مُسِخَ أَرْبَابُهَا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ.
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ صَخْرَةٌ قُطِعَتْ مِنْ الْأَرْضِ مَحَلًّا لِلْمَائِدَةِ النَّازِلَةِ مِنْ السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا حَوْلَهَا حِجَارَةٌ مِثْلُهَا، وَكَانَ مَا حَوْلَهَا مَحْفُوفًا بِقُصُورٍ، وَقَدْ نُحِتَ فِي ذَلِكَ الْحَجَرِ الصَّلْدِ بُيُوتٌ، أَبْوَابُهَا مِنْهَا، وَمَجَالِسُهَا مِنْهَا مَقْطُوعَةٌ فِيهَا، وَحَنَايَاهَا فِي جَوَانِبِهَا، وَبُيُوتُ خِدْمَتِهَا قَدْ صُوِّرَتْ مِنْ الْحَجَرِ، كَمَا تُصَوَّرُ مِنْ الطِّينِ وَالْخَشَبِ، فَإِذَا دَخَلْت فِي قَصْرٍ مِنْ قُصُورِهَا وَرَدَدْت الْبَابَ وَجَعَلْت مِنْ وَرَائِهِ صَخْرَةً كَثُمْنِ دِرْهَمٍ لَمْ يَفْتَحْهُ أَهْلُ الْأَرْضِ لِلُصُوقِهِ بِالْأَرْضِ؛ فَإِذَا هَبَّتْ الرِّيحُ وَحَثَتْ تَحْتَهُ التُّرَابَ لَمْ يُفْتَحْ إلَّا بَعْدَ صَبِّ الْمَاءِ تَحْتَهُ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ، حَتَّى يَسِيلَ بِالتُّرَابِ وَيَنْفَرِجَ مُنْعَرَجُ الْبَابِ، وَقَدْ مَاتَ بِهَا قَوْمٌ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَقَدْ كُنْت أَخْلُو فِيهَا كَثِيرًا لِلدَّرْسِ، وَلَكِنِّي كُنْت