قَالَ الطَّبَرِيُّ: وَهَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُحْتَمَلَةٌ غَيْرُ بَعِيدَةٍ مِنْ الصَّوَابِ. قَالَ الْقَاضِي وَفَّقَهُ اللَّهُ: وَبَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ، وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي الْمُشْكَلَيْنِ، لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهَا الْآنَ مِنْ الْأَحْكَامِ مَسْأَلَةٌ؛ وَهِيَ:.

[مَسْأَلَة قَالَ لِزَوْجِهِ رُوحُك طَالِقٌ]

إذَا قَالَ لِزَوْجِهِ: رُوحُك طَالِقٌ؛ فَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا: حَيَاتُك طَالِقٌ، فِيهَا قَوْلَانِ. وَكَذَلِكَ مِثْلُهُ كَلَامُك طَالِقٌ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ كَاخْتِلَافِنَا، وَاسْتَمَرَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَلْزَمُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهَا: كَلَامُك طَالِقٌ؛ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ. فَإِنَّ الْكَلَامَ حَرَامٌ سَمَاعُهُ، فَهُوَ مِنْ مُحَلِّلَاتِ النِّكَاحِ فَيَلْحَقُهُ الطَّلَاقُ.

وَأَمَّا الرُّوحُ وَالْحَيَاةُ فَلَيْسَ لِلنِّكَاحِ فِيهِمَا مُتَعَلَّقٌ، فَوَجْهُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِتَعْلِيقِهِ عَلَيْهِمَا خَفِيٌّ، وَهُوَ أَنَّ بَدَنَهَا الَّذِي فِيهِ الْمَتَاعُ لَا قِوَامَ لَهُ إلَّا بِالرُّوحِ وَالْحَيَاةِ. وَهُوَ بَاطِنٌ فِيهَا؛ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهَا: بَاطِنُك طَالِقٌ، فَيُسْرِي الطَّلَاقُ إلَى ظَاهِرِهَا فَإِنَّهُ إذَا تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا سَرَى إلَى الْبَاقِي.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَسْرِي، وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ كَبِيرَةٌ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: يَدُك طَالِقٌ. وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ مِنْهَا شَيْئًا وَحَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقِفَ حَيْثُ قَالَ، وَلَا يَتَعَدَّى، أَوْ يَسْرِي كَمَا قُلْنَا أَوْ يَلْغُو. وَمُحَالٌ أَنْ يَلْغُوَ لِأَنَّهُ كَلَامٌ صَحِيحٌ أَضَافَهُ إلَى مَحَلٍّ بِحُكْمٍ صَحِيحٍ جَائِزٍ فَنَفَذَ كَمَا لَوْ قَالَ: وَأُمُّك طَالِقٌ أَوْ ظَهْرُك، وَمُحَالٌ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ قَالَ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ بَعْضِهَا وَتَحْلِيلِ بَعْضِهَا. وَذَلِكَ مُحَالٌ شَرْعًا، وَهَذَا بَالِغٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْآيَة الْحَادِيَة وَالسِّتُّونَ قَوْله تَعَالَى لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ]

ِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء: 172]. هَذَا رَدٌّ عَلَى النَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ عِيسَى وَلَدُ اللَّهِ، وَرَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015