الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، كَيْف يَجُوزُ مُبَايَعَتُهُمْ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ؟ قُلْنَا: سَامَحَ الشَّرْعُ فِي مُعَامَلَتِهِمْ وَفِي طَعَامِهِمْ رِفْقًا بِنَا، وَشَدَّدَ عَلَيْهِمْ فِي الْمُخَاطَبَةِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمْ، فَإِنَّهُ مَا جَعَلَ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ إلَّا وَنَفَاهُ، وَلَا كَانَتْ فِي الْعُقُوبَةِ شِدَّةٌ إلَّا وَأَثْبَتَهَا عَلَيْهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مَعَ أَنَّ اللَّهَ شَرَعَ لَهُمْ الشَّرْعَ، وَبَيَّنَ لَهُمْ الْأَحْكَامَ فَقَدْ بَدَّلُوا وَابْتَدَعُوا رَهْبَانِيَّةً الْتَزَمُوهَا، فَأَجْرَى الشَّرْعُ الْأَحْكَامَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فِي بَيْعٍ وَطَعَامٍ حَتَّى فِي اعْتِقَادِهِمْ فِي أَوْلَادِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ، سَوَاءٌ تَصَرَّفُوا فِي ذَلِكَ بِشِرْعَتِهِمْ أَوْ بِعَصَبِيَّتِهِمْ، حَتَّى قَالَ مَالِكٌ؛ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ فِي الصُّلْحِ أَبْنَاؤُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ إذَا كَانَ الصُّلْحُ لِلْعَامَيْنِ وَنَحْوَهُمَا؟ لِأَنَّهُمَا مُهَادَنَةٌ، وَلَوْ كَانَ دَائِمًا أَوْ لِمُدَّةٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ يَكُونُ لَهُمْ مِنْ الصُّلْحِ مِثْلُ مَا لِآبَائِهِمْ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ فَرَاعَى مَالِكٌ اعْتِقَادَهُمْ فِي الْأَوْلَادِ وَالنِّسَاءِ، كَمَا رَاعَى اعْتِقَادَهُمْ فِي الطَّعَامِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ شَرْطًا مَعَ بَطَارِقَتِهِمْ يَعْنِي بِاتِّفَاقٍ مِنْهُمْ جَازَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فَإِنْ عَامَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا بِرِبًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ، وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ مَالَهُ حَلَالٌ فَبِأَيِّ وَجْهٍ أُخِذَ جَازَ.