ِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]. فِيهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: ثَبَتَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي لَطَمَ وَجْهِي. قَالَ: بَيْنَكُمَا الْقِصَاصُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114]. قَالَ حَجَّاجُ فِي الْحَدِيثِ عَنْهُ: فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]». قَالَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ: سَمِعْت الْحَسَنَ يَقْرَؤُهَا: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَقْضِيَ إلَيْكَ وَحْيَهُ، بِالنُّونِ وَنَصْبِ الْيَاءِ مِنْ " وَحْيَهُ ".
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: {قَوَّامُونَ} [النساء: 34]: يُقَالُ قَوَّامٌ وَقَيِّمٌ، وَهُوَ فَعَّالٌ وَفَيْعَلٌ مِنْ قَامَ، الْمَعْنَى هُوَ أَمِينٌ عَلَيْهَا يَتَوَلَّى أَمْرَهَا، وَيُصْلِحُهَا فِي حَالِهَا؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَلَيْهَا لَهُ الطَّاعَةُ وَهِيَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الزَّوْجَانِ مُشْتَرَكَانِ فِي الْحُقُوقِ، كَمَا قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228] بِفَضْلِ الْقَوَّامِيَّةِ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ الْمَهْرَ وَالنَّفَقَةَ، وَيُحْسِنَ الْعِشْرَةَ وَيَحْجُبَهَا، وَيَأْمُرَهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيُنْهِيَ إلَيْهَا شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ مِنْ صَلَاةٍ وَصِيَامٍ إذَا وَجَبَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْهَا الْحِفْظُ لِمَالِهِ، وَالْإِحْسَانُ إلَى أَهْلِهِ، وَالِالْتِزَامُ لِأَمْرِهِ فِي الْحَجَبَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، وَقَبُولِ قَوْلِهِ فِي الطَّاعَاتِ.