وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ الْعُمُومِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ مَا لَهَا، كَمَا لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ الصَّغِيرَةُ عِنْدَهُمْ وَالْمَجْنُونَةُ وَالْأَمَةُ. وَإِنْ كُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ، وَلَكِنْ رَاعَى قِيَامَ الرُّشْدِ، وَدَلِيلُ التَّمَلُّكِ لِلْمَالِ دُونَ ظَاهِرِ الْعُمُومِ فِي الزَّوْجَاتِ، كَذَلِكَ فَعَلْنَا نَحْنُ فِي الْبِكْرِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا أَدِلَّةَ قُصُورِهَا عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةُ الْمَوْقِعِ، وَفِي الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ النُّكَتِ كِفَايَةٌ لِلَبِيبِ الْمُنْصِفِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَالِكَةَ لِأَمْرِ نَفْسِهَا إذَا وَهَبَتْ صَدَاقَهَا لِزَوْجِهَا نَفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَلَا رُجُوعَ لَهَا فِيهِ، إلَّا أَنَّ شُرَيْحًا رَأَى الرُّجُوعَ لَهَا فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: 4] وَإِذَا قَامَتْ طَالِبَةً لَهُ لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا، وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا قَدْ طَابَتْ وَقَدْ أَكَلَ، فَلَا كَلَامَ لَهَا؛ إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ صُورَةَ الْأَكْلِ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ الْإِحْلَالِ وَالِاسْتِحْلَالِ؛ وَهَذَا بَيِّنٌ.
ُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا} [النساء: 5] فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي السَّفَهِ: وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آيَةِ الدَّيْنِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا الصَّغِيرَةُ وَالْمَرْأَةُ الَّتِي لَمْ تُجَرَّبْ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ السَّفَهَ صِفَةُ ذَمٍّ، وَالصَّغِيرَةُ وَالْمَرْأَةُ لَا تَسْتَحِقَّانِ ذَمًّا. وَهَذَا ضَعِيفٌ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ وَصَفَ الْمَرْأَةَ بِنُقْصَانِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ مَوْصُوفٌ بِالْغِرَارَةِ وَالنَّقْصِ، وَإِنْ كَانَا لَمْ يَفْعَلَا ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمَا، لَكِنَّهُمَا