مَالِكٍ، وَنَغْبَةٌ مِنْ بَحْرِهِ؛ وَمَالِكٌ أَوْعَى سَمْعًا، وَأَثْقَبُ فَهْمًا، وَأَفْصَحَ لِسَانًا، وَأَبْرَعُ بَيَانًا، وَأَبْدَعُ وَصْفًا، وَيَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ مُقَابَلَةُ قَوْلٍ بِقَوْلٍ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَفَصْلٍ.
وَاَلَّذِي يَكْشِفُ لَكَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَحْثُ عَنْ مَعَانِي قَوْلِكَ " عَالَ " لُغَةً حَتَّى إذَا عَرَفْتَهُ رَكَّبْتَ عَلَيْهِ مَعْنَى الْآيَةِ، وَحَكَمْتَ بِمَا يَصِحُّ بِهِ لَفْظًا وَمَعْنًى.
وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِيهِ سَبْعَةَ مَعَانٍ: الْأَوَّلُ: الْمَيْلُ؛ قَالَ يَعْقُوبُ: عَالَ الرَّجُلُ إذَا مَالَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا} [النساء: 3] وَفِي الْعَيْنِ: الْعَوْلُ: الْمَيْلُ فِي الْحُكْمِ إلَى الْجَوْرِ، وَعَالَ السَّهْمُ عَنْ الْهَدَفِ: مَالَ عَنْهُ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: إنَّهُ لِعَائِلِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَيَنْشُدُ لِأَبِي طَالِبٍ:
بِمِيزَانِ قِسْطٍ لَا يَغُلُّ شَعِيرَةً ... لَهُ شَاهِدٌ مِنْ نَفْسِهِ غَيْرُ عَائِلِ
الثَّانِي: عَالَ: زَادَ. الثَّالِثُ عَالَ: جَارَ فِي الْحُكْمِ. قَالَتْ الْخَنْسَاءُ:
وَلَيْسَ بِأَوْلَى وَلَكِنَّهُ ... وَيَكْفِي الْعَشِيرَةَ مَا عَالَهَا
الرَّابِعُ: عَالَ: افْتَقَرَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [التوبة: 28] الْخَامِسُ: عَالَ: أَثْقَلَ؛ قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ، وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَى بَيْتِ الْخَنْسَاءِ، وَكَانَ بِهِ أَقْعُدُ. السَّادِسُ: قَامَ بِمَؤُونَةِ الْعَائِلِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ».