فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: سَبَبُ نُزُولِهَا، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ أَنْكَرُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْلِيلَ لُحُومِ الْإِبِلِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ بِتَحْلِيلِهَا لَهُمْ حَتَّى حَرَّمَهَا إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ.
الْمَعْنَى: إنِّي لَمْ أُحَرِّمْهَا عَلَيْكُمْ، وَإِنَّمَا كَانَ إسْرَائِيلُ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ عِصَابَةً مِنْ الْيَهُودِ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَهُ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ؛ أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ؟ فَقَالَ: «أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إسْرَائِيلَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا طَالَ سَقَمُهُ فِيهِ فَنَذَرَ لَئِنْ عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ إلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَيْهِ لُحُومُ الْإِبِلِ وَأَلْبَانُهَا؟» فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ: قَالَ: «فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي دَعْوَاكُمْ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ فِيهَا». رَوَاهُ الطَّبَرِيُّ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَرَجَمَهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَأَمَّا نُزُولُهَا فِي رَجْمِ الْيَهُودِ فَيَأْبَاهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ، وَأَمَّا سَائِرُهَا فَمُحْتَمَلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اخْتَلَفُوا فِي تَحْرِيمِ إسْرَائِيلَ عَلَى نَفْسِهِ؛ فَقِيلَ: كَانَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَقِيلَ: كَانَ بِاجْتِهَادٍ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ اجْتِهَادِ الْأَنْبِيَاءِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ.