الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: قَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ؛ كَتَبُوا كِتَابًا وَحَلَفُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ حَلَفَ يَمِينًا فَاجِرَةً لِتُنَفَّقَ سِلْعَتُهُ فِي الْبَيْعِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.
وَاَلَّذِي يَصِحُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقَ ذَلِكَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: 77] الْآيَةَ. قَالَ: فَجَاءَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: فِي نَزَلَتْ، كَانَ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي. قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ». فَقُلْت: إذًا يَحْلِفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْيَهُودِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ الْمَالَ فِي الْبَاطِنِ بِقَضَاءِ الظَّاهِرِ، إذَا عَلِمَ الْمَحْكُومُ لَهُ بُطْلَانَهُ. وَقَدْ رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَأَنْتُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ؛ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ»