خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237]
وَخِلَافُ الْقِيَاسِ أَيْضًا؛ فَإِنَّ الْفَرْضَ بَعْدَ الْعَقْدِ يَلْحَقُ بِالْعَقْدِ؛ فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَصَّفَ بِالطَّلَاقِ أَصْلُهُ الْفَرْضُ الْمُقْتَرِنُ بِالْعَقْدِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فَإِنْ وَقَعَ الْمَوْتُ قَبْلَ الْفَرْضِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَهَا الْمِيرَاثُ دُونَ الصَّدَاقِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، فَقَالُوا: يَجِبُ لَهَا الصَّدَاقُ وَالْمِيرَاثُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ وَقَدْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ لَهَا بِالْمَهْرِ وَالْمِيرَاثِ وَالْعِدَّةِ»، وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ " لِأَنَّ رَاوِيَهُ مَجْهُولٌ؛ وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ فِرَاقٌ فِي نِكَاحٍ قَبْلَ الْفَرْضِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ صَدَاقٌ أَصْلُهُ الطَّلَاقُ، وَقَدْ خَرَّجَ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ أَبُو عِيسَى، وَقَالَ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] الْوَاجِبُ لَهُنَّ مِنْ الصَّدَاقِ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ فِي إسْقَاطِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ؛ إذْ جَعَلَهُ خَالِصَ حَقِّهِنَّ يَتَصَرَّفْنَ بِالْإِمْضَاءِ وَالْإِسْقَاطِ كَيْفَ شِئْنَ إذَا مَلَكْنَ أَمْرَ أَنْفُسِهِنَّ فِي الْأَمْوَالِ وَرَشَدْنَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: 237] وَهِيَ مُعْضِلَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا: فَقِيلَ: هُوَ الزَّوْجُ؛ قَالَهُ عَلِيٌّ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ.