غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»؛ وَلَمْ يَعُمَّهُ بِالطَّلَبِ لِمَا كَانَ يَظُنُّهُ مِنْ التَّخْصِيصِ، وَرَجَاءَ أَلَّا يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ، ثُمَّ أَنْبَأَهُ اللَّهُ بِهَا، فَخَرَجَ لِيُخْبِرَ بِهَا فَأُنْسِيَهَا لِشُغْلِهِ مَعَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، لَكِنْ بَقِيَ لَهُ مِنْ الْعِلْمِ الَّذِي كَانَ أُخْبِرَ بِهِ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ. [وَتَوَاطَأَتْ رِوَايَاتُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ]، كَمَا قَالَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاقْتَضَتْ رُؤْيَاهُ أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي لَيْلَةِ إحْدَى وَعِشْرِينَ.
[وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ أَنَّهَا لَيْلَةُ
ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ]؛ ثُمَّ أَنْبَأَ عَنْهَا بِعَلَامَةٍ، وَهِيَ طُلُوعُ الشَّمْسِ بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا يَعْنِي مِنْ كَثْرَةِ الْأَنْوَارِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَوَجَدَ ذَلِكَ الصَّحَابَةُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَمْ نَصْلُحْ لِرُؤْيَةِ ذَلِكَ النُّورِ لِكَثْرَةِ ظُلْمَةِ الذُّنُوبِ، فَإِنْ رَآهَا أَحَدٌ مِنْ الْمُذْنِبِينَ فَحُجَّةٌ عَلَيْهِ إنْ مَاتَ وَنِقْمَةٌ مِنْهُ إنْ بَقِيَ كَمَا كَانَ، ثُمَّ خَصَّ السَّبْعَ الْأَوَاخِرَ مِنْ جُمْلَةِ الشَّهْرِ، فَحَثَّ عَلَى الْتِمَاسِهَا فِيهَا، ثُمَّ وَجَدْنَاهَا بِالرُّؤْيَا الْحَقِّ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ فِي عَامٍ، ثُمَّ وَجَدْنَاهَا بِالرُّؤْيَا الصِّدْقِ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فِي عَامٍ، ثُمَّ وَجَدْنَاهَا بِالْعَلَامَةِ الْحَقِّ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ؛ فَعَلِمْنَا أَنَّهَا تَنْتَقِلُ فِي الْأَعْوَامِ، لِتَعُمَّ بَرَكَتُهَا مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ جَمِيعَ الْأَيَّامِ، وَخَبَّأَهَا عَنْ التَّعْيِينِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْرَكَ عَلَى الْأُمَّةِ فِي الْقِيَامِ فِي طَلَبِهَا شَهْرًا أَوْ أَيَّامًا، فَيَحْصُلُ مَعَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ ثَوَابُ غَيْرِهَا، كَمَا خَبَّأَ الْكَبَائِرَ فِي الذُّنُوبِ وَسَاعَةَ الْجُمُعَةِ فِي الْيَوْمِ حَسْبَمَا قَدَّمْنَاهُ.
فَهَذِهِ سُبُلُ النَّظَرِ الْمُجْتَمِعَةُ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ أَجْمَعُ، فَتَبَصَّرُوهَا لَمَمًا، وَاسْلُكُوهَا أُمَمًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَتِمَّ الْعَامُ مِنْ أَوَّلِ يَمِينِهِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَامِ، فَلَا يَبْطُلُ [يَقِينُ] النِّكَاحِ بِالشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ إجْمَاعًا مِنْ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ.
الثَّانِي إذَا كَانَ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ طَلُقَتْ؛ لِأَنَّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ كَمَا ثَبَتَ فِي الْآثَارِ؛ وَلَا يَتَعَيَّنُ تَعْيِينُهَا إلَّا بِدُخُولِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَلَا يَقَعُ يَقِينُ الْفِرَاقِ الَّذِي يَرْتَفِعُ بِهِ يَقِينُ النِّكَاحِ إلَّا حِينَئِذٍ.