وَيَنْقُضُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ إخْرَاجُهُ اللِّبَاسَ مِنْهُ، وَلَا جَوَابَ لَهُ عَنْهُ، وَخَفِيَ عَنْ الْقَوْمِ سَبَبُ الْآيَةِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ أَلَّا يَشْرَبَ عَسَلًا. وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ؛ وَقِيلَ لَهُ: لِمَ تُحَرِّمُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ مَعْنَى النَّهْيِ تَحْرِيمُ الْحَلَالِ فَكَانَ
كَالْمَالِ فِي الْبَيْعِ لَا يَصِحُّ؛ بَلْ التَّحْرِيمُ مَعْنًى يُرَكَّبُ عَلَى لَفْظِ الْيَمِينِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ اللَّفْظُ لَمْ يُوجَدْ الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرَكَّبْ عَلَى لَفْظِ الْبَيْعِ، بَلْ هُوَ فِي مَعْنَى لَفْظِهِ، وَقَدْ اسْتَوْعَبْنَا الْقَوْلَ فِي كِتَابِ تَخْلِيصِ التَّلْخِيصِ، وَالْإِنْصَافِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ إذَا حَرَّمَ الزَّوْجَةَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا، وَجَمَعْنَاهَا فِي كِتَابِ الْمَسَائِلِ، وَأَوْضَحْنَاهَا بِمَا مَقْصُودُهُ أَنْ نَقُولَ: يَجْمَعُهَا ثَلَاثَةُ مَقَامَاتٍ: الْمَقَامُ الْأَوَّلُ: فِي جَمِيعِ الْأَقْوَالِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهَا يَمِينٌ تُكَفَّرُ؛ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَعَائِشَةُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ.
الثَّانِي قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: تَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ؛ قَالَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ.
الرَّابِعُ أَنَّهَا ظِهَارٌ؛ قَالَهُ عُثْمَانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.
الْخَامِسُ أَنَّهَا طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ؛ قَالَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ عَنْ مَالِكٍ. السَّادِسُ أَنَّهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ؛ قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ [وَمَالِكٌ].
السَّابِعُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ الظِّهَارَ كَانَ مَا نَوَى، وَإِلَّا كَانَتْ يَمِينًا وَكَانَ الرَّجُلُ مُولِيًا مِنْ امْرَأَتِهِ. الثَّامِنُ أَنَّهُ لَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ الظِّهَارِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.