وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَضَاعُ الْوَلَدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: رَضَاعُ الْوَلَدِ عَلَى الزَّوْجَةِ مَا دَامَتْ الزَّوْجِيَّةُ، إلَّا لِشَرَفِهَا أَوْ مَرَضِهَا فَعَلَى الْأَبِ حِينَئِذٍ رَضَاعُهُ فِي مَالِهِ.
الثَّانِي: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ [وَالشَّافِعِيُّ]: لَا يَجِبُ عَلَى الْأُمِّ بِحَالٍ.
الثَّالِثُ: قَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَجِبُ عَلَيْهَا فِي كُلِّ حَالٍ.
وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233] وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمِلٌ لِكَوْنِهِ حَقًّا عَلَيْهَا أَوْ لَهَا، لَكِنَّ الْعُرْفَ يَقْضِي بِأَنَّهُ عَلَيْهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ شَرِيفَةً، وَمَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ فَهُوَ كَالشَّرْطِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ يُقْضَى بِهِ فِي الْأَحْكَامِ [وَالْعَادَةُ] إذَا كَانَتْ شَرِيفَةً أَلَّا تُرْضِعَ فَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ. فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا يَلْزَمُهَا إرْضَاعُهُ إلَّا
أَنْ يَكُونَ غَيْرَ قَابِلٍ ثَدْيَ غَيْرِهَا، فَيَلْزَمُهَا حِينَئِذٍ الْإِرْضَاعُ؛ أَوْ تَكُونَ مُخْتَارَةً لِذَلِكَ فَتُرْضِعُ فِي الْوَجْهَيْنِ بِالْأُجْرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6]. وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 6] وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ فَالْمَعْرُوفُ أَنْ تُرْضِعَ مَا دَامَتْ زَوْجَةً إلَّا أَنْ تَكُونَ شَرِيفَةً، وَأَلَّا تُرْضِعَ بَعْدَ الزَّوْجِيَّةِ إلَّا بِأَجْرٍ. فَإِنْ قَبِلَ غَيْرَهَا لَمْ يَلْزَمْهَا، وَإِنْ شَاءَتْ إرْضَاعَهُ فَهِيَ أَوْلَى بِمَا يَأْخُذُهُ غَيْرُهَا.
} [الطلاق: 6] {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7].
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: