وَأَغْرَبَتْ طَائِفَةٌ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».
فَقَالَتْ: إنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَرْضٌ؛ وَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِمَا رَوَى النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ.» وَهَذَا نَصٌّ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ رَاحَ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ غُفِرَ لَهُ». وَهَذَا نَصٌّ آخَرُ.
وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ عُمَرُ يَخْطُبُ الْحَدِيثُ إلَى أَنْ قَالَ: مَا زِدْت عَلَى أَنْ تَوَضَّأْت. فَقَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءُ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْت «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ». فَأَمَرَ عُمَرُ بِالْغُسْلِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَلَمْ يُمْكِنْ، وَقَدْ تَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ وَهُوَ الْحُضُورُ وَالْإِنْصَاتُ لِلْخُطْبَةِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ إلَى السُّنَّةِ، وَذَلِكَ بِمَحْضَرِ فُحُولِ الصَّحَابَةِ وَكِبَارِ الْمُهَاجِرِينَ حَوَالَيْ عُمَرَ، وَفِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ لَا يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ كَوْنُهَا فِي يَوْمِ عِيدٍ، خِلَافًا لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حِينَ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ عِيدٌ وَجُمُعَةٌ سَقَطَ فَرْضُ الْجُمُعَةِ؛ لِتَقَدُّمِ الْعِيدِ عَلَيْهَا، وَاشْتِغَالِ النَّاسِ بِهِ عَنْهَا.
وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ أَذِنَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ لِأَهْلِ الْعَوَالِي أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ الْجُمُعَةِ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إذَا خُولِفَ فِيهِ وَلَمْ يُجْمَعْ مَعَهُ عَلَيْهِ. وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ مُتَوَجِّهٌ يَوْمَ الْعِيدِ كَتَوَجُّهِهِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ.