الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُهُ: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9]: النِّدَاءُ هُوَ الْأَذَانُ، وَقَدْ بَيَّنَّا جُمْلَةً مِنْهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ. وَقَدْ «كَانَ الْأَذَانُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْجُمُعَةِ كَسَائِرِ الْأَذَانِ فِي الصَّلَوَاتِ؛ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ إذَا جَلَسَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ، ثُمَّ زَادَ عُثْمَانُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَانًا ثَالِثًا عَلَى الزَّوْرَاءِ، حَتَّى كَثُرَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ، فَإِذَا سَمِعُوا أَقْبَلُوا، حَتَّى إذَا جَلَسَ عُثْمَانُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَخْطُبُ عُثْمَانُ.»
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أَنَّ الْآذَانَ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاحِدًا، فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ»، وَسَمَّاهُ فِي الْحَدِيثِ ثَالِثًا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى الْإِقَامَةِ
فَجَعَلَهُ ثَالِثَ الْإِقَامَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ» يَعْنِي الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ؛ فَتَوَهَّمَ النَّاسُ أَنَّهُ أَذَانٌ أَصْلِيٌّ، فَجَعَلُوا الْمُؤَذِّنَيْنِ ثَلَاثَةً، فَكَانَ وَهْمًا، ثُمَّ جَمَعُوهُمْ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَكَانَ وَهْمًا عَلَى وَهْمٍ، وَرَأَيْتهمْ بِمَدِينَةِ السَّلَامِ يُؤَذِّنُونَ بَعْدَ أَذَانِ الْمَنَارِ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ تَحْتَ الْمِنْبَرِ فِي جَمَاعَةٍ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ عِنْدَنَا فِي الدُّوَلِ الْمَاضِيَةِ؛ وَكُلُّ ذَلِكَ مُحْدَثٌ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ قَوْلُهُ: {لِلصَّلاةِ} [الجمعة: 9]؛ يَعْنِي بِذَلِكَ الْجُمُعَةَ دُونَ غَيْرِهَا، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كَوْنُ الصَّلَاةِ الْجُمُعَةَ هَاهُنَا مَعْلُومٌ بِالْإِجْمَاعِ لَا مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ. وَعِنْدِي أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ نَفْسِ اللَّفْظِ بِنُكْتَةٍ، وَهِيَ قَوْلُهُ: {مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9]، وَذَلِكَ يُفِيدُهُ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ الَّذِي يَخْتَصُّ بِذَلِكَ الْيَوْمِ هُوَ