وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ.
وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ أَطْلَقَ تَشْبِيهَ امْرَأَتِهِ بِأُمِّهِ، فَكَانَ ظِهَارًا؛ أَصْلُهُ إذَا ذَكَرَ الظَّهْرَ، وَهَذَا قَوِيٌّ؛ إذْ مَعْنَى اللَّفْظِ فِيهِ مَوْجُودٌ، وَاللَّفْظُ بِمَعْنَاهُ، وَلَمْ يَلْزَمْ حُكْمُ الظَّهْرِ لِلَفْظِهِ، وَإِنَّمَا لَزِمَ لِمَعْنَاهُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ.
الْفَرْعُ الْخَامِسُ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي كَانَ ظِهَارًا؛ وَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ حَرَامٌ يَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ بِالطَّلَاقِ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ، وَيَحْتَمِلُ التَّحْرِيمَ بِالظِّهَارِ، فَلَمَّا صَرَّحَ بِهِ كَانَ تَفْسِيرًا لِأَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَقَضَى بِهِ فِيهِ.
الْفَرْعُ السَّادِسُ إنْ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَإِنْ ذَكَرَ الظَّهْرَ كَانَ ظِهَارًا حَمْلًا عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الظَّهْرَ فَاخْتَلَفَ فِيهِ عُلَمَاؤُنَا، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَكُونُ ظِهَارًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَكُونُ طَلَاقًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ شَيْئًا؛ وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ شَبَّهَ مُحَلَّلًا مِنْ الْمَرْأَةِ
بِمُحَرَّمٍ، فَكَانَ مُقَيَّدًا بِحُكْمِهِ كَالظَّهْرِ. وَالْأَسْمَاءُ بِمَعَانِيهَا عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُمْ بِأَلْفَاظِهَا، وَهَذَا نَقْضٌ لِلْأَصْلِ مِنْهُمْ.
الْفَرْعُ السَّابِعُ إذَا قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُخْتِي كَانَ مُظَاهِرًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ، وَهَذِهِ أَشْكَلُ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا. وَدَلِيلُنَا أَنَّهُ شَبَّهَ امْرَأَتَهُ بِظَهْرٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ مُؤَبَّدٍ كَالْأُمِّ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَوْلُهُ: {مِنْكُمْ} [المجادلة: 2].
يَعْنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي خُرُوجَ الذِّمِّيِّ مِنْ الْخِطَابِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا اسْتِدْلَالٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ.
قُلْنَا: هُوَ اسْتِدْلَالٌ بِالِاشْتِقَاقِ. وَالْمَعْنَى فَإِنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ فَاسِدَةٌ مُسْتَحِقَّةُ الْفَسْخِ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمُ طَلَاقٍ وَلَا ظِهَارٍ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.