كِلَيْهِمَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا} [الإسراء: 5].
قَالَ مَالِكٌ: إذَا بُويِعَ لِلْإِمَامِ فَقَامَ عَلَيْهِ إخْوَانُهُ قُوتِلُوا إذَا كَانَ الْأُوَلُ عَدْلًا، فَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَلَا بَيْعَةَ لَهُمْ إذَا كَانَ بُويِعَ لَهُمْ عَلَى الْخَوْفِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا بُدَّ مِنْ إمَامٍ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثٍ يَرْوِيه مُعَاوِيَةُ: «إذَا كَانَ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَتَانِ فَاقْتُلُوا أَحَدَهُمَا؛ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لَا تَكْرَهُوا الْفِتْنَةَ فَإِنَّهَا حَصَادُ الْمُنَافِقِينَ». الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ، وَلَا يُتْبَعُ مُنْهَزِمُهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُهُمْ لَا قَتْلُهُمْ.
وَأَمَّا الَّذِي يُتْلِفُونَهُ مِنْ الْأَمْوَالِ فَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَضْمَنُونَ، وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إتْلَافٌ بِعِدْوَانٍ، فَلْيَلْزَمْ الضَّمَانَ.
وَالْمُعَوَّلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَنَا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي خُرُوجِهِمْ لَمْ يَتْبَعُوا مُدْبِرًا وَلَا ذَفَّفُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَلَا قَتَلُوا أَسِيرًا، وَلَا ضَمِنُوا نَفْسًا وَلَا مَالًا؛ وَهُمْ الْقُدْوَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانَ فِي خُرُوجِهِمْ مِنْ الْحِكْمَةِ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ قِتَالِ الْبُغَاةِ بِخِلَافِ الْكَفَرَةِ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ إنْ وَلَّوْا قَاضِيًا، وَأَخَذُوا زَكَاةً، وَأَقَامُوا حَقًّا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ جَازَ؛ قَالَهُ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يَجُوزُ بِحَالٍ.
وَرُوِيَ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ جَائِزٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَقَوْلِ ابْنُ الْقَاسِمِ. وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ، فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ كَانُوا بُغَاةً.