[سُورَةُ الْأَحْقَافِ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ] [الْآيَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ]
الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأحقاف: 4].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي مَسَاقِ الْآيَةِ، وَهِيَ أَشْرَفُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّهَا اسْتَوْفَتْ أَدِلَّةَ الشَّرْعِ عَقْلِيَّهَا وَسَمْعِيَّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [الأحقاف: 4] فَهَذِهِ بَيَانٌ لِأَدِلَّةِ الْعَقْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّوْحِيدِ، وَحُدُوثِ الْعَالَمِ، وَانْفِرَادِ الْبَارِّي سُبْحَانَهُ بِالْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ وَالْوُجُودِ وَالْخَلْقِ، ثُمَّ قَالَ: {ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا} [الأحقاف: 4] عَلَى مَا تَقُولُونَ، وَهَذِهِ بَيَانٌ لِأَدِلَّةِ السَّمْعِ فَإِنَّ مُدْرِكَ الْحَقِّ إنَّمَا يَكُونُ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ أَوْ بِدَلِيلِ الشَّرْعِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ مَرَاتِبِ الْأَدِلَّةِ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، ثُمَّ قَالَ: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] يَعْنِي أَوْ عِلْمٍ يُؤْثَرُ، أَوْ يُرْوَى وَيُنْقَلُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَكْتُوبًا؛ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ الْحِفْظِ مِثْلُ الْمَنْقُولِ عَنْ الْكُتُبِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ قَوْمٌ: إنَّ قَوْلَهُ: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف: 4] يَعْنِي بِذَلِكَ عِلْمَ الْخَطِّ، وَهُوَ الضَّرْبُ فِي التُّرَابِ لِمَعْرِفَةِ الْكَوَائِنِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ فِيمَا مَضَى مِمَّا غَابَ عَنْ الضَّارِبِ، وَأَسْنَدُوا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَصِحَّ.