[سُورَة الدُّخَان فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ] [الْآيَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ]
الْآيَة الْأُولَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3].
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَوْلُهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3] يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ بِاللَّيْلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ مِنْهُ لَيْلِيًّا وَمِنْهُ نَهَارِيًّا وَمِنْهُ سَفَرِيٌّ وَحَضَرِيٌّ، وَمِنْهُ مَكِّيٌّ وَمَدَنِيٌّ، وَمِنْهُ سَمَائِي وَأَرْضِيٌّ، وَمِنْهُ هَوَائِيٌّ؛ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أُنْزِلَ جُمْلَةً فِي اللَّيْلِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَحْوُ مَا فِي عِشْرِينَ عَامًا وَنَحْوِهَا. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: {مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3]
الْبَرَكَةُ: هِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ، وَسَمَّاهَا مُبَارَكَةً لِمَا يُعْطِي اللَّهُ فِيهَا مِنْ الْمَنَازِلِ، وَيَغْفِرُ مِنْ الْخَطَايَا، وَيُقَسِّمُ مِنْ الْحُظُوظِ، وَيَبُثُّ مِنْ الرَّحْمَةِ، وَيُنِيلُ مِنْ الْخَيْرِ، وَهِيَ حَقِيقَةُ ذَلِكَ وَتَفْسِيرُهُ. الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ تَعْيِينُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ:
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ الصَّادِقِ الْقَاطِعِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] فَنَصَّ عَلَى أَنَّ مِيقَاتَ نُزُولِهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ عَبَّرَ عَنْ زَمَانِيَّةِ اللَّيْلِ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ: {فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3] فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ، وَلَيْسَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَدِيثٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، لَا فِي فَضْلِهَا، وَلَا فِي نَسْخِ الْآجَالِ فِيهَا، فَلَا تَلْتَفِتُوا إلَيْهَا.