آخَرَ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ؛ فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا رَافِعًا لِلْآخَرِ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رَاجِعًا إلَى حَالَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ الْبَاغِي مُعْلِنًا بِالْفُجُورِ، وَقِحًا فِي الْجُمْهُورِ، مُؤْذِيًا لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، فَيَكُونَ الِانْتِقَامُ مِنْهُ أَفْضَلَ. وَفِي مِثْلِهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: يُكْرَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُذِلُّوا أَنْفُسَهُمْ، فَيَجْتَرِئَ عَلَيْهِمْ الْفُسَّاقُ.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْفَلْتَةَ، أَوْ يَقَعَ ذَلِكَ مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِالزَّلَّةِ، وَيَسْأَلُ الْمَغْفِرَةَ، فَالْعَفْوُ هَاهُنَا أَفْضَلُ، وَفِي مِثْلِهِ نَزَلَتْ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] وقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45]. وَقَوْلُهُ: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النور: 22]. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ السُّدِّيُّ: إنَّمَا مَدَحَ اللَّهُ مَنْ انْتَصَرَ مِمَّنْ بَغَى عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِدَاءٍ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مِقْدَارِ مَا فَعَلَ بِهِ يَعْنِي كَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ؛ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40] فَبَيَّنَ فِي آخِرِ الْآيَةِ الْمُرَادَ مِنْهَا، وَهُوَ أَمْرٌ مُحْتَمَلٌ. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَهِيَ الْآيَةُ السَّادِسَةُ.

[الْآيَة السَّابِعَة قَوْله تَعَالَى إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ]

[الْآيَةُ السَّابِعَةُ] قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 42].

فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ فِي مُقَابَلَةِ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي (بَرَاءَةٌ)، وَهِيَ قَوْلُهُ: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] فَكَمَا نَفَى اللَّهُ السَّبِيلَ عَمَّنْ أَحْسَنَ فَكَذَلِكَ أَثْبَتَهَا عَلَى مَنْ ظَلَمَ، وَاسْتَوْفَى بَيَانَ الْقِسْمَيْنِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015