الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصلت: 33]. قَالُوا: هِيَ الصَّلَاةُ، وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ، وَلَكِنَّ الصَّلَاةَ أَجَلُّهُ، وَالْمُرَادُ أَنْ يَتْبَعَ الْقَوْلَ الْعَمَلُ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]، وَمَا تَقَدَّمَ يَدُلُّ عَلَى الْإِسْلَامِ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الدُّعَاءُ بِالْقَوْلِ، وَالسَّيْفُ يَكُونُ لِلِاعْتِقَادِ، وَيَكُونُ لِلْحُجَّةِ، وَكَانَ الْعَمَلُ يَكُونُ لِلرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِالِاعْتِقَادِ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ لِوَجْهِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33] وَلَمْ يَقُلْ [لَهُ] إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ: أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ.
ُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ؛ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُمِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالْعَفْوِ عَنْهُ. وَقِيلَ لَهُ: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اُخْتُلِفَ مَا الْمُرَادُ بِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ: قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا مَا رُوِيَ فِي الْآيَةِ أَنْ نَقُولَ: إنْ كُنْت كَاذِبًا يَغْفِرُ اللَّهُ لَك، وَإِنْ كُنْت صَادِقًا يَغْفِرُ اللَّهُ لِي، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَهُ لِرَجُلٍ نَالَ مِنْهُ.