َ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65].
تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بَيَانُ حَالِ الْإِحْبَاطِ بِالرِّدَّةِ، وَسَنَزِيدُهُ هَاهُنَا بَيَانًا، فَنَقُولُ: هَذَا وَإِنْ كَانَ خِطَابًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أُمَّتُهُ، وَكَيْفَمَا تَرَدَّدَ الْأَمْرُ فَإِنَّهُ بَيَانُ أَنَّ الْكُفْرَ يُحْبِطُ الْعَمَلَ كَيْفَ كَانَ، وَلَا يَعْنِي بِهِ الْكُفْرَ الْأَصْلِيَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَمَلٌ يُحْبَطُ، وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْكُفْرَ يُحْبِطُ الْعَمَلَ الَّذِي كَانَ مَعَ الْإِيمَانِ؛ إذْ لَا عَمَلَ إلَّا بَعْدَ أَصْلِ الْإِيمَانِ، فَالْإِيمَانُ مَعْنًى يَكُونُ بِهِ الْمَحَلُّ أَصْلًا لِلْعَمَلِ لَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْعَمَلِ، كَمَا تَخَيَّلَهُ الشَّافِعِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يَكُونُ شَرْطًا لِلْفَرْعِ؛ إذْ الشُّرُوطُ أَتْبَاعٌ فَلَا تَصِيرُ مَقْصُودَةً؛ إذْ فِيهِ قَلْبُ الْحَالِ وَعَكْسُ الشَّيْءِ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} [المائدة: 5] فَمَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَاسْتَأْنَفَ الْعَمَلَ إذَا أَسْلَمَ، وَكَانَ كَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَكْفُرْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَالْإِسْلَامُ وَالْهِجْرَةُ يَهْدِمَانِ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ بَاطِلٍ، وَلَا يَكُونُ إيمَانًا إلَّا بِاعْتِقَادٍ عَامٍّ عَلَى الْأَزْمَانِ، مُتَّصِلٍ بِتَأْبِيدِ الْأَبَدِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَإِنْ أُفْسِدَ فَسَدَ جَمِيعُهُ، وَهُوَ حُكْمٌ لَا يَتَجَزَّأُ شَرْعًا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ.