حَيْثُ تَزْدَحِمُ أَهْوَاؤُهُمْ، وَهِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

النَّفْسِ، وَالْعِرْضِ، وَالْمَالِ، يَفْصِلُ فِيمَا تَنَازَعَهُمْ، وَيَذُبُّ عَنْهُمْ مَنْ يُؤْذِيهِمْ، وَيَحْفَظُ مِنْ الضَّيَاعِ أَمْوَالَهُمْ بِالْجِبَايَةِ إنْ كَانَتْ مُفَرَّقَةً، وَبِتَفْرِيقِهَا عَلَى

مَنْ يَسْتَحِقُّهَا إذَا اجْتَمَعَتْ، وَيَكُفُّ الظَّالِمَ عَنْ الْمَظْلُومِ. وَيَدْخُلُ فِيهِ قَوَدُ الْجُيُوشِ، وَتَدْبِيرُ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ هُوَ الثَّالِثُ.

[وِلَايَاتِ الشَّرْعِ]

وَقَدْ رَامَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَحْصُرَ وِلَايَاتِ الشَّرْعِ فَجَمَعَهَا فِي عِشْرِينَ وِلَايَةً، وَهِيَ: الْخِلَافَةُ الْعَامَّةُ، وَالْوَزَارَةُ، وَالْإِمَارَةُ فِي الْجِهَادِ، وَوِلَايَةُ حُدُودِ الْمَصَالِحِ، وَوِلَايَةُ الْقَضَاءِ، وَوِلَايَةُ الْمَظَالِمِ، وَوِلَايَةُ النِّقَابَةِ عَلَى أَهْلِ الشَّرَفِ، وَالصَّلَاةُ، وَالْحَجُّ، وَالصَّدَقَاتُ، وَقَسَمُ الْفَيْءِ، وَالْغَنِيمَةِ، وَفَرْضُ الْجِزْيَةِ، وَالْخَرَاجِ، وَالْمَوَاتُ وَأَحْكَامُهُ، وَالْحِمَى، وَالْإِقْطَاعُ، وَالدِّيوَانُ، وَالْحِسْبَةُ.

فَأَمَّا وِلَايَةُ الْخِلَافَةِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ، وَأَمَّا الْوَزَارَةُ فَهِيَ وِلَايَةٌ شَرْعِيَّةٌ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ رَجُلٍ مَوْثُوقٍ بِهِ فِي دِينِهِ وَعَقْلِهِ يُشَاوِرُهُ الْخَلِيفَةُ فِيمَا يَعِنُّ لَهُ مِنْ الْأُمُورِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مُوسَى: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي} [طه: 29] {هَارُونَ أَخِي} [طه: 30] {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي} [طه: 31] فَلَوْ سَكَتَ هَاهُنَا كَانَتْ وَزَارَةَ مَشُورَةٍ، وَلَكِنَّهُ تَأَدَّبَ مَعَ أَخِيهِ لِسِنِّهِ وَفَضْلِهِ وَحِلْمِهِ وَصَبْرِهِ فَقَالَ: {وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: 32] فَسَأَلَ وَزَارَةَ مُشَارَكَةٍ فِي أَصْلِ النُّبُوَّةِ.

وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ: «وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ، وَوَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ».

وَأَمَّا الْوِلَايَةُ عَلَى الْجِهَادِ فَقَدْ «أَمَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجُيُوشِ وَالسَّرَايَا كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي كُلِّ غَزْوَةٍ لَمْ يَشْهَدْهَا، وَقَسَّمُوا الْغَنِيمَةَ فِيهَا»، فَدَخَلَتْ إحْدَى الْوِلَايَتَيْنِ فِي الْأُخْرَى، وَلِلْوَالِي أَنْ يُفْرِدَهُمَا.

وَأَمَّا حُدُودُ الْمَصَالِحِ فَهِيَ ثَلَاثَةٌ: الرِّدَّةُ، وَقَطْعُ السَّبِيلِ، وَالْبَغْيُ؛ فَأَمَّا الرِّدَّةُ وَالْقَطْعُ لِلسَّبِيلِ فَكَانَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ نَفَرًا مِنْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015