قَوْلُهُ: (فَلَمَّا) إلَى قَوْلِهِ (كُلِّ) وَإِذَا وَقَفْنَا عَلَيْهِ لَمْ يَتِمَّ الْكَلَامُ. وَإِذَا أَتْمَمْنَاهُ بِقَوْلِهِ: {شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 117] خَرَجَ عَنْ وَزْنِ الشِّعْرِ، وَزَادَ فِيهِ مَا يَصِيرُ بِهِ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ كُلَّهَا عَلَى وَزْنِ فَعُولُنْ، وَلَيْسَ فِي بُحُورِ الشِّعْرِ مَا يَخْرُجُ الْبَيْتُ مِنْهُ مِنْ عَشْرَةِ أَجْزَاءٍ، وَإِنَّمَا أَكْثَرُهُ ثَمَانِيَةٌ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} [التوبة: 14] ادَّعَوْا أَنَّهُ مِنْ بَحْرِ الْوَافِرِ، وَقَطَّعُوهُ: مَفَاعِيلٌ مَفَاعِيلٌ فَعُولُنْ مَفَاعِيلٌ مَفَاعِيلٌ فَعُولُنْ؛ وَهُوَ عَلَى وَزْنِ قَوْلِ الْأَوَّلِ:
لَنَا غَنَمٌ نَسُوقُهَا غِزَارٌ ... كَأَنَّ قُرُونَ جَلَّتِهَا الْعِصِيُّ
وَعَلَى وَزْنِ قَوْلِ الْآخَرِ:
طَوَالُ قَنَا يُطَاعِنُهَا قِصَارُ ... وَقَطْرُك فِي نَدًى وَوَغًى بِحَارُ
وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ إنَّمَا كَانَتْ تَكُونُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَوْ زِدْت فِيهَا أَلِفًا بِتَمْكِينِ حَرَكَةِ النُّونِ مِنْ قَوْلِهِ مُؤْمِنِينَ فَتَقُولُ مُؤْمِنِينَا.
الثَّانِي: أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الرَّوِيِّ بِإِشْبَاعِ حَرَكَةِ الْمِيمِ فِي قَوْلِهِ: {وَيُخْزِهِمْ} [التوبة: 14] وَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ لَمْ يَكُنْ قُرْآنًا، وَإِذَا قُرِئَ عَلَى وَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ شِعْرًا.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ} [الشعراء: 35]؛ زَعَمُوا أَنَّهُ مُوَافِقٌ بَحْرَ الرَّجَزِ فِي الْوَزْنِ، وَهَذَا غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ تَامٍّ، فَإِنْ ضَمَمْت إلَيْهِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْكَلَامُ خَرَجَ عَنْ وَزْنِ الشِّعْرِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ: 13]؛ زَعَمُوا أَنَّهُ مِنْ بَحْرِ الرَّجَزِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
رَهِينٌ مُعْجَبٌ بِالْقَيْنَاتِ
وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْ وَجْهَيْنِ: