الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53]:
وَقَدْ بَيَّنَّا الْحَيَاءَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ، وَمَعْنَاهُ هَاهُنَا فَيُمْسِكُ عَنْ كَشْفِ مُرَادِهِ لَكُمْ، فَيَتَأَذَّى بِإِقَامَتِكُمْ، عَلَى مَعْنَى التَّعْبِيرِ عَنْ الشَّيْءِ بِمُقَدِّمَتِهِ، وَهُوَ أَحَدُ وُجُوهِ الْمَجَازِ، أَوْ بِفَائِدَتِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، أَوْ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ وَهُوَ الثَّالِثُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]
وَفِي الْمَتَاعِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: عَارِيَّةٌ.
الثَّانِي: حَاجَةٌ.
الثَّالِثُ: فَتْوَى.
الرَّابِعُ: صُحُفُ الْقُرْآنِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِي مُسَاءَلَتِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ فِي حَاجَةٍ تَعْرِضُ أَوْ مَسْأَلَةٍ يُسْتَفْتَى فِيهَا؛ وَالْمَرْأَةُ كُلُّهَا عَوْرَةٌ؛ بَدَنُهَا وَصَوْتُهَا، فَلَا يَجُوزُ كَشْفُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ لِحَاجَةٍ، كَالشَّهَادَةِ عَلَيْهَا، أَوْ دَاءٍ يَكُونُ بِبَدَنِهَا، أَوْ سُؤَالِهَا عَمَّا يَعِنُّ وَيَعْرِضُ عِنْدَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]
الْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِكَ أَنْفَى لِلرِّيبَةِ، وَأَبْعَدُ لِلتُّهْمَةِ، وَأَقْوَى فِي الْحِمَايَةِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَثِقَ بِنَفْسِهِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ؛ فَإِنَّ مُجَانَبَةَ ذَلِكَ أَحْسَنُ لِحَالِهِ، وَأَحْصَنُ لِنَفْسِهِ، وَأَتَمُّ لِعِصْمَتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} [الأحزاب: 53]
وَهَذَا تَكْرَارٌ لِلْعِلَّةِ، وَتَأْكِيدٌ لِحُكْمِهَا؛ وَتَأْكِيدُ الْعِلَلِ أَقْوَى فِي الْأَحْكَامِ.