فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
بَيَّنَّا الرِّبَا وَمَعْنَاهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَشَرَحْنَا حَقِيقَتَهُ وَحُكْمَهُ، وَهُوَ هُنَاكَ مُحَرَّمٌ وَهُنَا مُحَلَّلٌ، وَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ قِسْمَانِ؛ مِنْهُ حَلَالٌ وَمِنْهُ حَرَامٌ. الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَةِ:
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الرَّجُلُ يَهَبُ هِبَةً يَطْلُبُ أَفْضَلَ مِنْهَا؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّانِي: أَنَّهُ الرَّجُلُ فِي السَّفَرِ يَصْحَبُهُ رَجُلٌ يَخْدُمُهُ وَيُعِينُهُ، فَيَجْعَلُ الْمَخْدُومُ لَهُ بَعْضَ الرِّبْحِ جَزَاءَ خِدْمَتِهِ، لَا لِوَجْهِ اللَّهِ؛ قَالَ الشَّعْبِيُّ.
الثَّالِثُ: الرَّجُلُ يَصِلُ قَرَابَتَهُ، يَطْلُبُ بِذَلِكَ كَوْنَهُ غَنِيًّا، لَا صِلَةً لِوَجْهِ اللَّهِ؛ قَالَهُ إبْرَاهِيمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:
أَمَّا مَنْ يَصِلُ قَرَابَتَهُ لِيَكُونَ غَنِيًّا فَالنِّيَّةُ فِي ذَلِكَ مُتَنَوِّعَةٌ، فَإِنْ كَانَ لِيَتَظَاهَرَ بِهِ دُنْيَا فَلَيْسَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَابَةِ وَبَيْنَهُمَا مِنْ وَشِيجَةِ الرَّحِمِ، فَإِنَّهُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا مَنْ يُعِينُ الرَّجُلَ بِخِدْمَتِهِ فِي سَفَرِهِ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ فَإِنَّهُ لِلدُّنْيَا لَا لِوَجْهِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْمُرْبِي لَيْسَ لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِيَرْبُوَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَصَرِيحُ الْآيَةِ فِيمَنْ يَهَبُ يَطْلُبُ الزِّيَادَةَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ فِي الْمُكَافَأَةِ، وَذَلِكَ لَهُ.
وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: " أَيُّمَا رَجُلٍ وَهَبَ هِبَةً يَرَى أَنَّهَا لِلثَّوَابِ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ حَتَّى يَرْضَى مِنْهَا ".
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْهِبَةُ إنَّمَا تَكُونُ لِلَّهِ أَوْ لِجَلْبِ الْمَوَدَّةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا».