[الْآيَةُ الْعَاشِرَةُ قَوْله تَعَالَى قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنْ الْكَاذِبِينَ]

َ} [النمل: 27].

فِيهَا مَسْأَلَتَانِ.

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ} [النمل: 27] لَمْ يُعَاقِبْهُ؛ لِأَنَّهُ اعْتَذَرَ لَهُ، وَلَا أَحَدٌ أَحَبُّ إلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ بَعَثَ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ.

وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَى الْوَالِي أَنْ يَقْبَلَ عُذْرَ رَعِيَّتِهِ، وَيَدْرَأَ الْعُقُوبَةَ عَنْهُمْ فِي ظَاهِرِ أَحْوَالِهِمْ بِبَاطِنِ أَعْذَارِهِمْ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَمْتَحِنَ ذَلِكَ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، كَمَا فَعَلَ سُلَيْمَانُ؟ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُ [الْهُدْهُدُ]: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] لَمْ يَسْتَفِزَّهُ الطَّمَعُ، وَلَا اسْتَجَرَّهُ حُبُّ الزِّيَادَةِ فِي الْمِلْكِ إلَى أَنْ يَعْرِضَ لَهُ، حَتَّى قَالَ: {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: 24]، حِينَئِذٍ غَاظَهُ مَا سَمِعَ، وَطَلَبَ الِانْتِهَاءَ إلَى مَا أَخْبَرَ، وَتَحْصِيلَ عِلْمِ مَا غَابَ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى يُغَيِّرَهُ بِالْحَقِّ، وَيَرُدَّهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَنَحْوٌ مِنْهُ مَا يُرْوَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ عَنْ إمْلَاصِ الْمَرْأَةِ، وَهِيَ الَّتِي يُضْرَبُ بَطْنُهَا فَتُلْقِي جَنِينَهَا، فَقَالَ: أَيُّكُمْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ شَيْئًا؟ قُلْت: أَنَا يَعْنِي الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْت: سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «فِيهِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ». فَقَالَ: " لَا تَبْرَحْ حَتَّى تَجِيءَ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ " فَخَرَجْت، فَوَجَدْت مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ، فَجِئْت بِهِ، فَشَهِدَ. وَكَانَ هَذَا تَثَبُّتًا مِنْ عُمَرَ احْتَجَّ بِهِ لِنَفْسِهِ.

وَأَمَّا الْمُغِيرَةُ فَتَوَقَّفَ فِيمَا قَالَ لِأَجْلِ قِصَّةِ أَبِي بَكْرَةَ، وَهَذَا كُلُّهُ مُبَيَّنٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015